ثم دخلت سنة تسع وعشرين وثلاثمائة
ذكر في هذه السنة مات الراضي بالله أبو العباس أحمد بن المقتدر منتصف ربيع الأول ، وكانت خلافته ست سنين ( وعشرة أشهر ) وعشرة أيام ، وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة وشهورا ، وكانت علته الاستسقاء ، وكان أديبا شاعرا ، فمن شعره : موت الراضي بالله
يصفر وجهي إذا تأمله طرفي ويحمر وجهه خجلا حتى كأن الذي بوجنته
من دم جسمي إليه قد نقلا
ولو أن حيا كان قبرا لميت لصيرت أحشائي لأعظمه قبرا
ولو أن عمري كان طوع مشيئتي وساعدني التقدير قاسمته العمرا
بنفسي ثرى ضاجعت في تربه البلى لقد ضم منك الغيث والليث والبدرا
كل صفو إلى كدر كل أمن إلى حذر
ومصير الشباب لل موت فيه أو الكدر
در در المشيب من واعظ ينذر البشر
أيها الآمل الذي تاه في لجة الغرر
أين من كان قبلنا درس العين والأثر
سيرد المعاد من عمره كله خطر
رب إني ذخرت عن دك أرجوك مدخر
إنني مؤمن بما بي ن الوحي في السور
واعترافي بترك نف عي وإيثاري الضرر
رب فاغفر لي الخطي ئة يا خير من غفر
وكان الراضي أيضا سمحا ، سخيا ، يحب محادثة الأدباء والفضلاء والجلوس معهم .
ولما مات أحضر بجكم ندماءه وجلساءه ، وطمع أن ينتفع بهم ، فلم يفهم منهم ما ينتفع به ، وكان منهم سنان بن ثابت الصابي الطبيب ، فأحضره وشكا إليه غلبة القوة الغضبية عليه ، وهو كاره لها ، فما زال معه في تقبيح ذلك عنده وتحسين ضده من الحلم ، والعفو ، والعدل ، وتوصل معه حتى زال أكثر ما كان يجده ، وكف عن القتل والعقوبات .
وكان الراضي أسمر ، أعين ، خفيف العارضين ، وأمه أم ولد اسمها ظلوم .