ذكر مسير جيوش المعز العلوي إلى أقاصي المغرب
وفيها عظم أمر أبي الحسن جوهر عند المعز بإفريقية ، وعلا محله ، وصار في رتبة الوزارة ، فسيره المعز في صفر في جيش كثيف منهم زيري بن مناد الصنهاجي وغيره ، وأمره بالمسير إلى أقاصي المغرب ، فسار إلى تاهرت ، فحضر عنده يعلى بن محمد الزناتي ، فأكرمه ، وأحسن إليه ، ثم خالف على جوهر ، فقبض عليه ، وثار أصحابه ، فقاتلهم جوهر ، فانهزموا وتبعهم جوهر إلى مدينة أفكان ، فدخلها بالسيف ونهبها ، ونهب قصور يعلى ، وأخذ ولده ، وكان صبيا ، وأمر بهدم أفكان وإحراقها بالنار ، وكان ذلك في جمادى الآخرة .
ثم سار منها إلى فاس ، وبها صاحبها أحمد بن بكر ، فأغلق أبوابها ، فنازلها جوهر وقاتلها مدة ، فلم يقدر عليها ، وأتته هدايا الأمراء الفاطميين بأقاصي السوس ، وأشار على جوهر وأصحابه بالرحيل إلى سجلماسة ، وكان صاحبها محمد بن واسول قد تلقب بالشاكر لله ، ويخاطب بأمير المؤمنين ، وضرب السكة باسمه ، وهو على ذلك ست عشرة سنة ، فلما سمع بجوهر هرب ، ثم أراد الرجوع إلى سجلماسة ، فلقيه أقوام ، فأخذوه أسيرا ، وحملوه إلى جوهر .
ومضى جوهر حتى انتهى إلى البحر المحيط ، فأمر أن يصطاد له من سمكه فاصطادوا له ، فجعله في قلال الماء وحمله إلى المعز ، وسلك تلك البلاد جميعها فافتتحها وعاد إلى فاس ، فقاتلها مدة طويلة ، فقام زيري بن مناد فاختار من قومه رجالا لهم شجاعة ، ( وأمرهم أن يأخذوا السلاليم ، وقصدوا البلد ) فصعدوا إلى السور الأدنى في السلاليم ، وأهل فاس آمنون ، فلما صعدوا على السور ، قتلوا من عليه ونزلوا إلى السور الثاني ، وفتحوا الأبواب ، ( وأشعلوا المشاعل ) ، وضربوا الطبول ، وكانت الإمارة بين زيري وجوهر ، فلما سمعها جوهر ، ركب في العساكر فدخل فاسا ، فاستخفى صاحبها ، وأخذ بعد يومين ، وجعل مع صاحب سجلماسة ، وكان فتحها في رمضان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ، فحملهما في قفصين إلى ( المعز بالمهدية ) ، وأعطى تاهرت لزيري بن مناد .