الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر مسير جيوش المعز العلوي إلى أقاصي المغرب  

            وفيها عظم أمر أبي الحسن جوهر عند المعز بإفريقية ، وعلا محله ، وصار في رتبة الوزارة ، فسيره المعز في صفر في جيش كثيف منهم زيري بن مناد الصنهاجي وغيره ، وأمره بالمسير إلى أقاصي المغرب ، فسار إلى تاهرت ، فحضر عنده يعلى بن محمد الزناتي ، فأكرمه ، وأحسن إليه ، ثم خالف على جوهر ، فقبض عليه ، وثار أصحابه ، فقاتلهم جوهر ، فانهزموا وتبعهم جوهر إلى مدينة أفكان ، فدخلها بالسيف ونهبها ، ونهب قصور يعلى ، وأخذ ولده ، وكان صبيا ، وأمر بهدم أفكان وإحراقها بالنار ، وكان ذلك في جمادى الآخرة .

            ثم سار منها إلى فاس ، وبها صاحبها أحمد بن بكر ، فأغلق أبوابها ، فنازلها جوهر وقاتلها مدة ، فلم يقدر عليها ، وأتته هدايا الأمراء الفاطميين بأقاصي السوس ، وأشار على جوهر وأصحابه بالرحيل إلى سجلماسة ، وكان صاحبها محمد بن واسول قد تلقب بالشاكر لله ، ويخاطب بأمير المؤمنين ، وضرب السكة باسمه ، وهو على ذلك ست عشرة سنة ، فلما سمع بجوهر هرب ، ثم أراد الرجوع إلى سجلماسة ، فلقيه أقوام ، فأخذوه أسيرا ، وحملوه إلى جوهر .

            ومضى جوهر حتى انتهى إلى البحر المحيط ، فأمر أن يصطاد له من سمكه فاصطادوا له ، فجعله في قلال الماء وحمله إلى المعز ، وسلك تلك البلاد جميعها فافتتحها وعاد إلى فاس ، فقاتلها مدة طويلة ، فقام زيري بن مناد فاختار من قومه رجالا لهم شجاعة ، ( وأمرهم أن يأخذوا السلاليم ، وقصدوا البلد ) فصعدوا إلى السور الأدنى في السلاليم ، وأهل فاس آمنون ، فلما صعدوا على السور ، قتلوا من عليه ونزلوا إلى السور الثاني ، وفتحوا الأبواب ، ( وأشعلوا المشاعل ) ، وضربوا الطبول ، وكانت الإمارة بين زيري وجوهر ، فلما سمعها جوهر ، ركب في العساكر فدخل فاسا ، فاستخفى صاحبها ، وأخذ بعد يومين ، وجعل مع صاحب سجلماسة ، وكان فتحها في رمضان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ، فحملهما في قفصين إلى ( المعز بالمهدية ) ، وأعطى تاهرت لزيري بن مناد .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية