الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر استيلاء معز الدولة على الموصل وعوده عنها  

            قد ذكرنا صلح معز الدولة مع ناصر الدولة على ألفي ألف درهم كل سنة ، فلما كان هذه السنة ، أخر ناصر الدولة حمل المال ، فتجهز معز الدولة إلى الموصل وسار نحوها منتصف جمادى الأولى ، ومعه وزيره المهلبي ، ففارقها ناصر الدولة إلى نصيبين ، واستولى معز الدولة على الموصل .

            فكان من عادة ناصر الدولة إذا قصده أحد ، سار عن الموصل واستصحب معه جميع الكتاب ، والوكلاء ، ومن يعرف أبواب المال ، ومنافع السلطان ، وربما جعلهم في قلاعه كقلعة كواشى ، والزعفران ، وغيرهما ، وكانت قلعة كواشى تسمى ذلك الوقت قلعة أردمشت ، وكان ناصر الدولة يأمر العرب بالإغارة على العلافة ومن يحمل الميرة ، فكان الذي يقصد بلاد ناصر الدولة يبقى محصورا مضيقا عليه .

            فلما قصده معز الدولة هذه المرة فعل ذلك به ، فضاقت الأقوات على معز الدولة وعسكره ، وبلغه أن بنصيبين من الغلات السلطانية شيئا كثيرا ، فسار عن الموصل نحوها ، واستخلف بالموصل سبكتكين الحاجب الكبير ، فلما توسط الطريق ، بلغه أن أولاد ناصر الدولة أبا المرجى وهبة الله بسنجار في عسكر ، فسير إليهم عسكرا ، فلم يشعر أولاد ناصر الدولة بالعسكر إلا وهو معهم ، فعجلوا عن أخذ أثقالهم ، فعاد أولاد ناصر الدولة إليهم وهم غارون ، فوضعوا السيف فيهم فقتلوا ، وأسروا ، وأقاموا بسنجار .

            وسار معز الدولة إلى نصيبين ، ففارقها ناصر الدولة إلى ميافارقين ، ففارقه أصحابه وعادوا إلى معز الدولة مستأمنين ، فلما رأى ناصر الدولة ذلك سار إلى أخيه سيف الدولة بحلب ، فلما وصل خرج إليه ولقيه ، وبالغ في إكرامه ، وخدمه بنفسه ، حتى إنه نزع خفه بيديه .

            وكان أصحاب ناصر في حصونه ببلد الموصل ، والجزيرة ، يغيرون على أصحاب معز الدولة بالبلد ، فيقتلون فيهم ، ويأسرون منهم ، ويقطعون الميرة عنهم .

            ثم إن سيف الدولة راسل معز الدولة في الصلح ، وترددت الرسل ( في ذلك ) ، فامتنع معز الدولة في تضمين ناصر الدولة لخلفه معه مرة بعد أخرى ، فضمن سيف الدولة البلاد منه بألفي درهم وتسعمائة ألف درهم ، وإطلاق من أسر من أصحابه بسنجار وغيرها ، وكان ذلك في المحرم سنة ثمان وأربعين [ وثلاثمائة ] .

            وإنما أجاب معز الدولة إلى الصلح بعد تمكنه من البلاد ; لأنه ضاقت عليه الأموال ، وتقاعد الناس في حمل الخراج ، واحتجوا بأنهم لا يصلون إلى غلاتهم ، وطلبوا الحماية من العرب أصحاب ناصر الدولة ، فاضطر معز الدولة إلى الانحدار ، وأنف من ذلك ، فلما وردت عليه رسالة سيف الدولة ، استراح إليها ، وأجابه إلى ما طلبه من الصلح ، ثم انحدر إلى بغداذ .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية