الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عزل أبي الفضل من وزارة عز الدولة ووزارة ابن بقية  

            وفيها أيضا عزل الوزير أبو الفضل العباس بن الحسين من وزارة عز الدولة بختيار في ذي الحجة ، واستوزر محمد بن بقية ، فعجب الناس لذلك لأنه كان وضيعا في نفسه ، وأهل أوانا ، وكان أبوه أحد الزراعين ، لكنه كان قريبا من بختيار ، وكان يتولى له المطبخ ، ويقدم إليه الطعام ومنديل الخوان على كتفه ، إلى أن استوزر .

            وحبس الوزير أبو الفضل ، فمات عن قريب ، فقيل إنه مات مسموما ، وكان في ولايته مضيعا لجانب الله . فمن ذلك أنه أحرق الكرخ ببغداذ ، فهلك فيه من الناس والأموال ما لا يحصى ، ومن ذلك أنه ظلم الرعية ، وأخذ الأموال ليفرقها على الجند ليسلم ، فما سلمه الله تعالى ، ولا نفعه ذلك ، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يقول : من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه ، وأسخط عليه الناس .

            وكان ما فعله من ذلك أبلغ الطرق التي سلكها أعداؤه من الوقيعة فيه ، والسعي به ، وتمشى لهم ما أرادوا لما كان عليه من تفريطه في أمر دينه ، وظلم رعيته ، وعقب ذلك أن زوجته ماتت وهو محبوس وحاجبه وكاتبه ، فخربت داره ، وعفي أثرها ، نعوذ بالله من سوء الأقدار ، ونسأله أن يختم بخير أعمالنا ، فإن الدنيا إلى زوال ما هي .

            وأما ابن بقية فإنه استقامت أموره ، ومشت الأموال بين يديه بما أخذه من أموال أبي الفضل ، وأموال أصحابه ، فلما فني ذلك عاد إلى ظلم الرعية ، فانتشرت الأمور على يده ، وخربت النواحي ، وظهر العيارون ، وعملوا ما أرادوا ، وزاد الاختلاف بين الأتراك وبين بختيار ، فشرع ابن بقية في إصلاح الحال مع بختيار وسبكتكين ، فاصطلحوا ، وكانت هدنة على دخن وركب سبكتكين إلى بختيار ومعه الأتراك ، فاجتمع به ، ثم عاد الحال إلى ما كان عليه من الفساد .

            وسبب ذلك أن ديلميا اجتاز بدار سبكتكين وهو سكران ، فرمى الروشن بزوبين في يده ، فأثبته فيه ، وأحس به سبكتكين ، فصاح بغلمانه فأخذوه ، وظن سبكتكين أنه قد وضع على قتله ، فقرره فلم يعترف ، وأنفذه إلى بختيار وعرفه الحال ، فأمر به فقتل ، فقوي ظن سبكتكين أنه كان وضعه عليه ، وإنما قتله لئلا يفشي ذلك ، وتحرك الديلم بقتله ، وحملوا السلاح ، ثم أرضاهم بختيار فرجعوا .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية