الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ثم دخلت سنة ثمان وستين وثلاثمائة

            ذكر فتح ميافارقين وآمد وغيرهما من ديار بكر على يد عضد الدولة  

            لما عاد أبو الوفاء من طلب أبي تغلب نازل ميافارقين ، وكان الوالي عليها هزارمرد ، فضبط البلد ، وبالغ في قتال أبي الوفاء ثلاثة أشهر ، ثم مات هزارمرد ، فكوتب أبو تغلب بذلك ، فأمر أن يقام مقامه غلام من الحمدانية اسمه مؤنس ( فولي البلد ) ولم يكن لأبي الوفاء فيه حيلة ، فعدل عنه ، وأرسل رجلا من أعيان البلد اسمه أحمد بن عبيد الله ، واستماله فأجابه ، وشرع في استمالة الرعية إلى أبي الوفاء ، فأجابوه إلى ذلك ، وعظم أمره ، وأرسل إلى مؤنس يطلب له الأمان ، فأرسل أحمد بن عبيد الله إلى أبي الوفاء في ذلك فأمنه ، وأمن سائر أهل البلد ، ففتح له البلد وسلمه إليه .

            وكان أبو الوفاء مدة مقامه على ميافارقين قد بث سراياه في تلك الحصون المجاورة لها ، فافتتحها جميعها ، فلما سمع أبو تغلب بذلك سار عن آمد نحو الرحبة ، هو وأخته جميلة ، وأمر بعض أهله بالاستئمان إلى أبي الوفاء ، ففعلوا ، ثم إن أبا الوفاء سار إلى آمد فحصرها ، فلما رأى أهلها ذلك سلكوا مسلك أهل ميافارقين ، فسلموا البلد بالأمان فاستولى أبو الوفاء على سائر ديار بكر ، وقصده أصحاب أبي تغلب وأهله مستأمنين إليه ، فأمنهم ، وأحسن إليهم ، وعاد إلى الموصل .

            وأما أبو تغلب فإنه لما قصد الرحبة أنفذ رسولا إلى عضد الدولة يستعطفه ، ويسأله الصفح ، فأحسن جواب الرسل ، وبذل له إقطاعا يرضيه ، على أن يطأ بساطه ، فلم يجبه أبو تغلب إلى ذلك ، ( وسار إلى الشام ، إلى العزيز بالله صاحب مصر ) .

            ذكر فتح ديار مضر على يد عضد الدولة  

            كان متولي ديار مضر لأبي تغلب بن حمدان سلامة البرقعيدي ، فأنفذ إليه سعد الدولة بن سيف الدولة من حلب جيشا ، فجرت بينهم حروب ، وكان سعد الدولة قد كاتب عضد الدولة ، وعرض نفسه عليه ، فأنفذ عضد الدولة النقيب أبا أحمد ، والد الرضي ، إلى البلاد التي بيد سلامة ، فتسلمها بعد حرب شديدة ، ودخل أهلها في الطاعة ، فأخذ عضد الدولة لنفسه الرقة حسب ، ورد باقيها إلى سعد الدولة فصارت له .

            ثم استولى عضد الدولة على الرحبة ، وتفرغ بعد ذلك لفتح قلاعه وحصونه ، وهي قلعة كواشى ، وكان فيها خزائنه وأمواله ، وقلعة هرور والملاسي وبرقى والشعباني وغيرها من الحصون ، فلما استولى على جميع أعمال أبي تغلب استخلف أبا الوفاء على الموصل ، وعاد إلى بغداذ في سلخ ذي القعدة ، ولقيه الطائع لله ، وجمع من الجند وغيرهم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية