الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر استيلاء طاهر بن خلف على كرمان وعوده عنها  

            في هذه السنة سار طاهر بن خلف بن أحمد ، صاحب سجستان ، إلى كرمان طالبا ملكها .

            وكان سبب مسيره إليها أنه كان قد خرج عن طاعة أبيه ، وجرى بينهما حروب كان الظفر فيها لأبيه ، ففارق سجستان وسار إلى كرمان ، وبها عسكر بهاء الدولة ، وهي له على ما ذكرناه ، فاجتمع من بها من العسكر إلى المقدم عليهم ( ومتولي أمر البلاد ، هو أبو موسى سياهجيل ) ، فقالوا له : إن هذا الرجل قد وصل ، وهو ضعيف ، والرأي أن تبادره قبل أن يقوى أمره ويكثر جمعه . فلم يفعل واستهان به ، فكثر جمع طاهر ، وصعد إلى الجبال ، وبها قوم من العصاة على السلطان ، فاحتمى بهم وقوي ، فنزل إلى جيرفت فملكها وملك غيرها ، وقوي طمعه في الباقي .

            فقصده أبو موسى والديلم ، فهزمهم ، وأخذ بعض ما بقي بأيديهم ، فكاتبوا بهاء الدولة ، فسير إليهم جيشا عليهم أبو جعفر بن أستاذ هرمز ، فسار إلى كرمان ، وقصد بم ، وبها طاهر ، فجرى بين طلائع العسكرين حرب ، وعاد طاهر إلى سجستان ، وفارق كرمان ، فلما بلغ سجستان أطلق المأسورين ، ودعاهم إلى قتال أبيه معه ، وحلف لهم أنهم إذا نصروه وقاتلوا معه أطلقهم ، ففعلوا ذلك ، وقاتل أباه ، فهزمه وملك طاهر البلاد ودخل أبوه إلى حصن له منيع فاحتمى به .

            وأحب الناس طاهرا لحسن سيرته ، وسوء سيرة والده ، وأطلق طاهر الديلم ، ثم إن أباه راسل أصحابه ليفسدهم عليه ، فلم يفعلوا فعدل إلى مخادعته ، وراسله يظهر له الندم على ما كان منه ، ويستميله بأنه ليس له ولد غيره ، وأنه يخاف أن يموت فيملك بلاده غير ولده . ثم استدعاه إليه جريدة ليجتمع به ويعرفه أحواله ، فتواعدا تحت قلعة خلف ، فأتاه ابنه جريدة ، ونزل هو إليه كذلك ، وكان قد كمن بالقرب منه كمينا ، فلما لقيه اعتنقه ، وبكى خلف ، وصاح في بكائه ، فخرج الكمين وأسروا طاهرا ، فقتله أبوه بيده ، وغسله ودفنه ، ولم يكن له ولد غيره .

            فلما قتل طمع الناس في خلف ، لأنهم كانوا يخافون ابنه لشهامته ، وقصده حينئذ محمود بن سبكتكين ، فملك بلاده على ما نذكره ، وأما العتبي فذكر في سبب فتحها غير هذا ، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية