الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            ( وفي هذه السنة سير الظاهر جيشا من مصر  ، مقدمهم أنوشتكين البريدي ، فقتل صالح بن مرداس ، وملك نصر بن صالح مدينة حلب . وفيها سقط في البلاد برد عظيم ، وكان أكثره بالعراق ، وارتفعت بعده ريح شديدة سوداء ، فقلعت كثيرا من الأشجار بالعراق ، فقلعت شجرا كبارا من الزيتون من شرقي النهروان وألقته على بعد من غربيها ، وقلعت نخلة من أصلها وحملتها إلى دار بينها وبين موضع هذه الشجرة ثلاث دور ، وقلعت سقف مسجد الجامع ببعض القرى . وفيها ، في ذي القعدة تولى أبو عبد الله بن ماكولا قضاء القضاة . وفيها انقض كوكب عظيم ، في رجب ، أضاءت منه الأرض ، وسمع له صوت عظيم كالرعد ، وتقطع أربع قطع ، وانقض بعده بليلتين كوكب آخر دونه ، وانقض بعدهما كوكب أكبر منهما وأكثر ضوءا . وفيها كانت ببغداذ فتنة قوي فيها أمر العيارين واللصوص ، فكانوا يأخذون العملات ظاهرا . فيها قطعت الجمعة من جامع براثا ، وسببها أنه كان يخطب فيها إنسان يقول في خطبته : بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، مكلم الجمجمة ، ومحييها البشري الإلهي ، مكلم الفتية أصحاب الكهف ، إلى غير ذلك ( من الغلو ) ، المبتدع ، فأقام الخليفة خطيبا ، فرجمه العامة ، فانقطعت الصلاة فيه فاجتمع جماعة من أعيان الكرخ مع المرتضى ، واعتذروا إلى الخليفة بأن سفهاء لا يعرفون فعلوا ذلك ، وسألوا إعادة الخطبة ، فأجيبوا إلى ما طلبوا ، وأعيدت الصلاة والخطبة فيه . ومن الحوادث فيها :

            [انحدار ذي البراعتين إلى البصرة واليا عليها   ]

            أنه انحدر ذو البراعتين أحمد بن محمد الواسطي إلى البصرة واليا عليها في محرم هذه السنة . وورد الخبر لسبع خلون من ربيع الآخر : بأن مطرا ورد بنواحي النعمانية ومعه برد كبار  ، في بردة أرطال ، وذكر أنه ورد بنواحي دير العاقول مطر معه برد  وزن الواحدة منها خمسة دراهم وأقل ، وارتفعت بعده ريح سوداء فقلعت كثيرا من أصول الزيتون العاتية العتيقة  ، وعبرت بها من شرقي النهروان إلى غربيه وطرحتها على بعد ، وقلعت الريح نخلة من أصلها ثم حملت جذعها إلى دار بينها وبينها ثلاث دور ، وقلعت الريح سقف مسجد الجامع ببعض القرى ، وشوهد من البرد ما يكون في الواحدة ما بين الرطل إلى الرطلين ، ووجدت بردة عظيمة الحجم يزيد وزنها على مائة رطل ، فحزرت بمائة وخمسين رطلا ، وكانت كالثور النائم ، وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع . وفي يوم الاثنين ثامن عشر منه غار ماء دجلة حتى لم يبق منه إلا القليل ، ووقفت الأرحاء ، وتعذر الطحن . وفي هذا اليوم جمع القضاة والعلماء في دار الخلافة ، وقرئ عليهم كتاب جمعه أمير المؤمنين القادر بالله فيه مواعظ وتفاصيل مذاهب أهل السنة ، والرد على أهل البدع من المعتزلة وغيرهم .

            وفي العشرين من رمضان جمعوا أيضا ، وقرئ عليهم كتاب آخر جمعه الخليفة أيضا فيه أخبار ومواعظ ، والرد على أهل البدع ، وتفسيق من قال بخلق القرآن ، وصفة ما وقع بين بشر المريسي وعبد العزيز بن أحمد الكتاني من المناظرة ، ثم ختم القول بالوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأخذ خطوط الحاضرين بالموافقة لما سمعوه .

            وفي يوم الاثنين غرة ذي القعدة جمعوا أيضا كلهم ، وقرئ عليهم كتاب آخر طويل يتضمن بيان السنة ، والرد على أهل البدع ، ومناظرة بشر المريسي والكتاني ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وفضل الصحابة ، وذكر فضائل أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، ولم يفرغوا منه إلا بعد العتمة ، وأخذت خطوطهم بموافقة ما سمعوه ، وعزل خطباء الشيعة ، وولي خطباء غيرهم من أهل السنة .

            وجرت فتنة عظيمة بمسجد براثا ، وضربوا الخطيب السني بالآجر حتى كسروا أنفه وخلعوا كتفه ، فانتصر له الخليفة وأهان الشيعة وأذلهم ، حتى جاءوا يعتذرون مما صنعوا ، وأنه ما تعاطاه إلا سفهاؤهم وسقطهم .

            ولم يتمكن أحد من أهل العراق وخراسان في هذه السنة من الحج ، والله تعالى أعلم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية