ذكر ما فعله طغرلبك بخراسان
في هذه السنة دخل ركن الدين أبو طالب طغرلبك محمد بن ميكائيل بن سلجوق مدينة نيسابور مالكا لها .
وكان سبب ذلك أن الغز السلجقية لما ظهروا بخراسان أفسدوا ، ونهبوا ، وخربوا البلاد ، وسبوا ، على ما ذكرناه ، وسمع الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين الخبر ، فسير إليهم حاجبه سباشي في ثلاثين ألف مقاتل ، فسار إليهم من غزنة ، فلما بلغ خراسان ثقل على ما سلم من البلاد بالإقامات فخرب السالم من تخريب الغز ، فأقام مدة سنة على المدافعة والمطاولة ، لكنه كان يتبع أثرهم إذا بعدوا ، ويرجع عنهم إذا أقبلوا استعمالا للمحاجزة ، وإشفاقا من المحاربة حتى إذا كان في هذه السنة وهو بقرية بظاهر سرخس ، والغز بظاهر مرو مع طغرلبك ، وقد بلغهم خبره ، أسروا إليه وقاتلوه يوم وصلوا فلما جنهم الليل أخذ سباشي ما خف من مال وهرب في خواصه ، وترك خيمه ونيرانه على حالها ، قيل فعل ذلك مواطأة للغز على الهزيمة ، فلما أسفر الصبح عرف الباقون من عسكره خبره ، فانهزموا ، واستولى الغز على ما وجدوه في معسكرهم من سوادهم ، وقتلوا من الهنود الذين تخلفوا مقتلة عظيمة .
وأسرى داود أخو طغرلبك ، وهو والد السلطان ألب أرسلان ، إلى نيسابور ، وسمع أبو سهل الحمدوني ومن معه بها ، ففارقوها ، ووصل داود ومن معه إليها ، فدخلوها بغير قتال ، ولم يغيروا شيئا من أمورها ، ووصل بعدهم طغرلبك ثم وصلت إليهم رسل الخليفة في ذلك الوقت ، وكان قد أرسل إليهم وإلى الذين بالري وهمذان وبلد الجبل ينهاهم عن النهب والقتل والإخراب ، ويعظهم ، فأكرموا الرسل ، وعظموهم ، وخدموهم .
وخاطب داود طغرلبك في نهب البلد فمنعه فامتنع واحتج بشهر رمضان ، فلما انسلخ رمضان صمم داود على نهبه ، فمنعه طغرلبك ، واحتج عليه برسل الخليفة وكتابه ، فلم يلتفت داود إليه ، وقوي عزمه على النهب ، فأخرج طغرلبك سكينا وقال له : والله لئن نهبت شيئا لأقتلن نفسي ! فكف عن ذلك ، وعدل إلى التقسيط ، فقسط على أهل نيسابور نحو ثلاثين ألف دينار ، وفرقها في أصحابه .
وأقام طغرلبك بدار الإمارة ، وجلس على سرير الملك مسعود ، وصار يقعد للمظالم يومين في الأسبوع على قاعدة ولاة خراسان ( وسير أخاه داود إلى سرخس فملكها ، ثم استولوا على سائر بلاد خراسان سوى بلخ ، وكانوا يخطبون للملك مسعود على سبيل المغالطة . وكانوا ثلاثة إخوة : طغرلبك ، وداود ، وبيغو ، وكان ينال ، واسمه إبراهيم أخا طغرلبك وداود لأمهما ، ثم خرج مسعود من غزنة وكان ما نذكره إن شاء الله تعالى .