ذكر مخاطبة جلال الدولة بملك الملوك
في هذه السنة سأل جلال الدولة الخليفة القائم بأمر الله ليخاطب بملك الملوك ، فامتنع ، ثم أجاب إليه إذا أفتى الفقهاء بجوازه ، فكتب فتوى إلى الفقهاء في ذلك فأفتى القاضي أبو الطيب الطبري ، والقاضي أبو عبد الله الصيمري ، والقاضي ابن البيضاوي ، وأبو القاسم الكرخي بجوازه ، وامتنع منه قاضي القضاة أبو الحسن الماوردي ، وجرى بينه وبين من أفتى بجوازه مراجعات وخطب لجلال الدولة بملك الملوك .
وكان الماوردي من أخص الناس بجلال الدولة ، وكان يتردد إلى دار المملكة كل يوم ، فلما أفتى بهذه الفتيا انقطع ولزم بيته خائفا ، فأقام منقطعا من شهر رمضان إلى يوم عيد النحر ، فاستدعاه جلال الدولة ، فحضر خائفا فأدخله وحده وقال له : قد علم كل أحد أنك من أكثر الفقهاء مالا وجاها وقربا منا وقد خالفتهم فيما خالف هواي ، ولم تفعل ذلك إلا لعدم المحاباة منك ، واتباع الحق ، وقد بان لي موضعك من الدين ، ومكانك من العلم . وجعلت جزاء ذلك إكرامك بأن أدخلتك إلي وحدك ، وجعلت إذن الحاضرين إليك ، ليتحققوا عودي إلى ما تحب . فشكره ودعا له ، وأذن لكل من حضر بالخدمة والانصراف .