الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر وفاة القائم بأمر الله وذكر بعض سيرته   .

            في هذه السنة ، ليلة الخميس ثالث عشر شعبان ، توفي القائم بأمر الله أمير المؤمنين ، رضي الله عنه ، واسمه عبد الله أبو جعفر بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن الأمير إسحاق بن المقتدر بالله أبي الفضل بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد .

            وكان سبب موته أنه قد أصابه شرى ، فافتصد ، ونام منفردا ، فانفجر فصاده ، وخرج منه دم كثير ولم يشعر ، فاستيقظ وقد ضعف وسقطت قوته ، فأيقن بالموت ، فأحضر ولي العهد ، ووصاه بوصايا ، وأحضر النقيبين وقاضي القضاة وغيرهم مع الوزير ابن جهير ، وأشهدهم على نفسه أنه جعل ابن ابنه أبا القاسم عبد الله بن محمد بن القائم بأمر الله ولي عهده .

            ولما توفي غسله الشريف أبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي ، وصلى عليه المقتدي بأمر الله .

            وكان عمره ستا وسبعين سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيام ، وخلافته أربعا وأربعين سنة وثمانية أشهر وأياما ، وقيل كان مولده ثامن عشر ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ، ( وعلى هذا يكون عمره ستا وسبعين سنة وتسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما .

            وأمه أم ولد تسمى قطر الندى ، أرمنية ، وقيل رومية ، أدركت خلافته ، وقيل اسمها علم . وماتت في رجب سنة اثنين وخمسين وأربعمائة .

            وكان القائم جميلا ، مليح الوجه ، أبيض ، مشربا حمرة ، حسن الجسم ، ورعا ، دينا ، زاهدا ، عالما قوي اليقين بالله تعالى ، كثير الصبر ، وكان للقائم عناية بالأدب ، ومعرفة حسنة بالكتابة ، ولم يكن يرتضي أكثر ما يكتب من الديوان ، فكان يصلح فيه أشياء ، وكان مؤثرا للعدل والإنصاف يريد قضاء حوائج الناس ، لا يرى المنع من شيء يطلب منه .

            قال محمد بن علي بن عامر الوكيل : دخلت يوما إلى المخزن ، فلم يبق أحد إلا أعطاني قصة ، فامتلأت أكمامي منها ، فقلت في نفسي : لو كان الخليفة أخي لأعرض عن هذه كلها ، فألقيتها في بركة ، والقائم ينظر ولا أشعر ، فلما دخلت إليه أمر الخدم بإخراج الرقاع من البركة ، فأخرجت ، ووقف عليها ، ووقع فيها بأغراض أصحابها ، ثم قال لي : ما حملك على هذا ؟ فقلت : خوف الضجر منها ، فقال : لا تعد إلى مثلها ! فإنا ما أعطيناهم من أموالنا شيئا ، إنما نحن وكلاء .

            ووزر للقائم أبو طالب محمد بن أيوب ، وأبو الفتح بن دارست ، ورئيس الرؤساء ، وأبو نصر بن جهير ، وكان قاضيه ابن ماكولا ، وأبو عبد الله الدامغاني .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية