ذكر عدة حوادث
في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، في ربيع الآخر ، شرع الخليفة في عمل سور على الحريم ، وأذن الوزير عميد الدولة بن جهير للعامة في التفرج والعمل ، فزينوا البلد ، وعملوا القباب ، وجدوا في عمارته .
وفيها ، في شهر رمضان ، جرح السلطان بركيارق ، جرحه إنسان ستري له ، من أهل سجستان ، في عضده ، ثم أخذ الرجل ، وأعانه رجلان أيضا من أهل سجستان ، فلما ضرب الرجل الجارح اعترف أن هذين الرجلين وضعاه ، واعترفا بذلك ، فضربا الضرب الشديد ، ليقرا على من أمرهما بذلك ، فلم يقرا ، فقربا إلى الفيل ليجعلا تحت قوائمه ، وقدم أحدهما ، فقال : اتركوني وأنا أعرفكم ، فتركوه ، فقال لصاحبه : يا أخي لا بد من هذه القتلة ، فلا تفضح أهل سجستان بإفشاء الأسرار ، فقتلا .
وفيها توجه الإمام أبو حامد الغزالي إلى الشام ، وزار القدس ، وترك التدريس في النظامية ، واستناب أخاه ، وتزهد ، ولبس الخشن ، وأكل الدون ، وفي هذه السفرة صنف " إحياء علوم الدين " ، وسمعه منه الخلق الكثير بدمشق ، وعاد إلى بغداذ بعدما حج في السنة التالية ، وسار إلى خراسان .
( وفيها ، في ربيع الأول ، خطب لولي العهد أبي الفضل منصور بن المستظهر بالله ) .
وفيها عزل بركيارق وزيره مؤيد الملك بن نظام الملك ، واستوزر أخاه فخر الملك ، وسبب ذلك أن بركيارق لما هزم عمه تتش ، وقتله ، أرسل خادما ليحضر والدته زبيدة خاتون من أصبهان ، فاتفق مؤيد الملك مع جماعة من الأمراء ، وأشاروا عليه بتركها ، فقال : لا أريد الملك إلا لها ، وبوجودها عندي ، فلما وصلت إليه وعلمت الحال تنكرت على مؤيد الملك ، وكان مجد الملك أبو الفضل البلاساني قد صحبها في طريقها ، وعلم أنه لا يتم له أمر مع مؤيد الملك ، وكان بين مؤيد الملك وأخيه فخر الملك ( تباعد ) بسبب جواهر خلفها أبوهم نظام الملك ، فلما علم فخر الملك تنكر أم السلطان على أخيه مؤيد الملك أرسل وبذل أموالا جزيلة في الوزارة ، فأجيب إلى ذلك ، وعزل أخوه ، وولي هو . وفي يوم عرفة خلع على القاضي أبي الفرج عبد الرحمن بن هبة الله بن البستي ولقب بشرف القضاة ، ورد إلى ولاية القضاء بالحريم وغيره
وفي هذه السنة اصطلح أهل الكرخ من السنة والرافضة مع بقية المحال وتزاوروا وتواكلوا وتشاربوا ، وكان هذا من العجائب. ولم يحج أحد من أهل العراق في هذه السنة .