الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قتل الباطنية  

            في سنة أربع وتسعين وأربعمائة ، في شعبان ، أمر السلطان بركيارق بقتل الباطنية ، وهم الإسماعلية وهم الذين كانوا قديما يسمون قرامطة ، ونحن نبتدئ بأول أمرهم الآن ثم بسبب قتلهم .

            فأول ما عرف من أحوالهم ، أعني هذه الدعوة الأخيرة التي اشتهرت بالباطنية ، والإسماعلية ، في أيام السلطان ملكشاه ، فإنه اجتمع منهم ثمانية عشر رجلا ، فصلوا صلاة العيد في ساوة ، ففطن بهم الشحنة ، فأخذهم وحبسهم ، ثم سئل فيهم فأطلقهم ، فهذا أول اجتماع كان لهم .

            ثم إنهم دعوا مؤذنا من أهل ساوة كان مقيما بأصبهان ، فلم يجبهم إلى دعوتهم فخافوه أن ينم عليهم ، فقتلوه ، فهو أول قتيل لهم ، وأول دم أراقوه ، فبلغ خبره إلى نظام الملك ، فأمر بأخذ من يتهم بقتله ، فوقعت التهمة على نجار اسمه طاهر ، فقتل ، ومثل به ، وجروا برجله في الأسواق ، فهو أول قتيل منهم ، وكان والده واعظا ، وقدم إلى بغداذ مع السلطان بركيارق سنة ست وثمانين [ وأربعمائة ] فحظي منه ، ثم قصد البصرة فولي القضاء بها ، ثم توجه في رسالة إلى كرمان ، فقتله العامة في الفتنة التي جرت ، وذكروا أنه باطني .

            ثم إن الباطنية قتلوا نظام الملك ، وهي أول فتكة مشهورة كانت لهم وقالوا : قتل نجارا فقتلناه به .

            وأول موضع غلبوا وتحصنوا به بلد عند قاين ، كان متقدمه على مذهبهم ، فاجتمعوا عنده ، وقووا به ، فاجتازت بهم قافلة عظيمة من كرمان إلى قاين ، فخرج عليهم ومعه أصحابه والباطنية ، فقتل أهل القفل أجمعين ، ولم ينج منهم غير رجل تركماني ، فوصل إلى قاين فأخبر بالقصة ، فتسارع أهلها مع القاضي الكرماني إلى جهادهم ، فلم يقدروا عليهم .

            ثم قتل نظام الملك ، ومات السلطان ملكشاه ، فعظم أمرهم ، واشتدت شوكتهم ، وقويت أطماعهم .

            وكان سبب قوتهم بأصبهان ، أن السلطان بركيارق لما حصر أصبهان ، وبها أخوه محمود ، وأمه خاتون الجلالية ، وعاد عنهم ظهرت مقالة الباطنية بها ، وانتشرت ، وكانوا متفرقين في المحال ، فاجتمعوا ، وصاروا يسرقون من قدروا عليه من مخالفيهم ويقتلونهم ، فعلوا هذا بخلق كثير ، وزاد الأمر ، حتى إن الإنسان كان إذا تأخر عن بيته عن الوقت المعتاد تيقنوا قتله ، وقعدوا للعزاء به ، فحذر الناس ، وصاروا لا ينفرد أحد ، وأخذوا في بعض الأيام مؤذنا ، أخذه جار له باطني ، فقام أهله للنياحة عليه ، فأصعده الباطنية إلى سطح داره وأروه أهله كيف يلطمون ويبكون ، وهو لا يقدر أن يتكلم خوفا منهم . فقتل السلطان بركيارق خلقا من الباطنية ممن تحقق مذهبه ، ومن اتهم به ، فبلغت عدتهم ثمانمائة ونيفا ، ووقع التتبع لأموال من قتل منهم ، فوجد لأحدهم سبعون بيتا من الزوالي المحفور ، وكتب بذلك كتاب إلى الخليفة ، فتقدم بالقبض على قوم يظن فيهم ذلك المذهب ، ولم يتجاسر أحد أن يشفع في أحد؛ لئلا يظن ميله إلى ذلك المذهب ، وزاد تتبع العوام لكل من أرادوا ، وصار كل من في نفسه شيء من إنسان يرميه بهذا المذهب ، فيقصد [وينهب] حتى حسم هذا الأمر فانحسم .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية