الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            خلافة الإمام المسترشد بالله  

            لما توفي المستظهر بالله بويع ولده المسترشد بالله أبو المنصور الفضل بن أبي العباس أحمد بن المستظهر بالله ومولده ليلة الأربعاء رابع ربيع الأول سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، وقيل: خمس وثمانين ، وقيل: ست وثمانين ، وسمع الحديث من مؤدبه أبي البركات أحمد بن عبد الوهاب السيبي ، ومن أبي القاسم علي بن بيان وحدث ، قرأ عليه أبو الفرج محمد بن عمر بن الأهوازي وهو سائر في موكبه إلى الحلبة فسمع ذلك جماعة وقرئ عنهم [وروى] عنه وزيره علي بن طراد وأبو علي بن الملقب ، وكان شجاعا بعيد الهمة ، وكانت بيعته بكرة الخميس الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة. وكان ولي عهد قد خطب له ثلاثا وعشرين سنة ، فبايعه أخواه ابنا المستظهر بالله ، وهما أبو عبد الله محمد ، وأبو طالب العباس ، وعمومته بنو المقتدي بأمر الله ، وغيرهم من الأمراء ، والقضاة ، والأئمة ، والأعيان .

            وكان المتولي البيعة القاضي أبو الحسن الدامغاني ، وكان نائبا عن الوزارة ، فأقره المسترشد بالله عليها ، ولم يأخذ البيعة قاض غير هذا ، وأحمد بن أبي داود للواثق بالله ، فإنه أخذها للواثق بالله والقاضي أبو علي إسماعيل بن إسحاق أخذها للمعتضد بالله .

            قال المصنف: ونقلته من خط أبي الوفاء بن عقيل ، قال: لما ولي المسترشد بالله تلقاني ثلاثة من المستخدمين يقول كل واحد منهم ، قد طلبك أمير المؤمنين ، فلما صرت بالحضرة قال لي قاضي القضاة وهو قائم بين يديه: طلبك مولانا أمير المؤمنين ثلاث مرات ، فقلت: ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ، ثم مددت يدي فبسط لي يده الشريفة فصافحت بعد السلام وبايعت ، فقلت: أبايع سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المسترشد بالله على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين ما أطاق واستطاع ، وعلى الطاعة مني ، وقبلت يدي وتركتها على عيني زيادة على ما فعلت في بيعة المستظهر تعظيما له وحده من بين سائر الخلفاء فيما نشأ عليه من الخير والخصال المحمودة ، وتميزه بطريقة جده القادر ، فبعثوا إلي مبرة عشرة دنانير ، وكان رسمي في البيعة خمسين دينارا . ثم إن المسترشد عزل قاضي القضاة عن نيابة الوزارة ، واستوزر أبا شجاع محمد بن الربيب أبي منصور ، وزير السلطان محمود ، وكان والده خطب في معنى ولده ، حتى استوزر ، واستنيب له أبو القاسم علي بن طراد ، فكتب إلى الوزير أبو محمد الحريري صاحب المقامات:


            هنيئا لك الفخر فافخر هنيا كما قد رزقت مكانا عليا     رقيت كآبائك الأكرمين
            لدست الوزارة كفؤا رضيا     تقلدت أعباءها يافعا
            كما أوتي الحكم يحيى صبيا

            وفي جمادى الآخرة: قبض على صاحب المخزن أبي طاهر بن الخرزي ، وعلي بن كمونة ، وابن غيلان القاضي ، وجماعة ، وأرجف بأن هؤلاء كتبوا إلى الأمير أبي الحسن [يأمرونه] بأن لا يطيع .  

            التالي السابق


            الخدمات العلمية