لما توفي المستظهر بالله بويع ولده المسترشد بالله أبو المنصور الفضل بن أبي العباس أحمد بن المستظهر بالله ومولده ليلة الأربعاء رابع ربيع الأول سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، وقيل: خمس وثمانين ، وقيل: ست وثمانين ، وسمع الحديث من مؤدبه أبي البركات أحمد بن عبد الوهاب السيبي ، ومن أبي القاسم علي بن بيان وحدث ، قرأ عليه أبو الفرج محمد بن عمر بن الأهوازي وهو سائر في موكبه إلى الحلبة فسمع ذلك جماعة وقرئ عنهم [وروى] عنه وزيره علي بن طراد وأبو علي بن الملقب ، وكان شجاعا بعيد الهمة ، وكانت بيعته بكرة الخميس الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة. وكان ولي عهد قد خطب له ثلاثا وعشرين سنة ، فبايعه أخواه ابنا المستظهر بالله ، وهما أبو عبد الله محمد ، وأبو طالب العباس ، وعمومته بنو المقتدي بأمر الله ، وغيرهم من الأمراء ، والقضاة ، والأئمة ، والأعيان .
وكان المتولي البيعة القاضي أبو الحسن الدامغاني ، وكان نائبا عن الوزارة ، فأقره المسترشد بالله عليها ، ولم يأخذ البيعة قاض غير هذا ، وأحمد بن أبي داود للواثق بالله ، فإنه أخذها للواثق بالله والقاضي أبو علي إسماعيل بن إسحاق أخذها للمعتضد بالله .
قال المصنف: ونقلته من خط أبي الوفاء بن عقيل ، قال: لما ولي المسترشد بالله تلقاني ثلاثة من المستخدمين يقول كل واحد منهم ، قد طلبك أمير المؤمنين ، فلما صرت بالحضرة قال لي قاضي القضاة وهو قائم بين يديه: طلبك مولانا أمير المؤمنين ثلاث مرات ، فقلت: ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ، ثم مددت يدي فبسط لي يده الشريفة فصافحت بعد السلام وبايعت ، فقلت: أبايع سيدنا ومولانا أمير المؤمنين المسترشد بالله على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين ما أطاق واستطاع ، وعلى الطاعة مني ، وقبلت يدي وتركتها على عيني زيادة على ما فعلت في بيعة المستظهر تعظيما له وحده من بين سائر الخلفاء فيما نشأ عليه من الخير والخصال المحمودة ، وتميزه بطريقة جده القادر ، فبعثوا إلي مبرة عشرة دنانير ، وكان رسمي في البيعة خمسين دينارا . ثم إن المسترشد عزل قاضي القضاة عن نيابة الوزارة ، واستوزر أبا شجاع محمد بن الربيب أبي منصور ، وزير السلطان محمود ، وكان والده خطب في معنى ولده ، حتى استوزر ، واستنيب له أبو القاسم علي بن طراد ، فكتب إلى الوزير أبو محمد الحريري صاحب المقامات:
هنيئا لك الفخر فافخر هنيا كما قد رزقت مكانا عليا رقيت كآبائك الأكرمين
لدست الوزارة كفؤا رضيا تقلدت أعباءها يافعا
كما أوتي الحكم يحيى صبيا