الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر عدة حوادث

            في سنة اثنتي عشرة وخمسمائة انقطع الغيث ، وعدمت الغلات  في كثير من البلاد ، وكان أشده بالعراق ، فغلت الأسعار ، وأجلى أهل السواد ، وتقوت الناس بالنخالة ، وعظم الأمر على أهل بغداذ بما كان يفعله منكبرس بهم .

            وفيها أسقط المسترشد بالله من الإقطاع المختص به كل جور ، وأمر أن لا يؤخذ إلا ما جرت به العادة القديمة ، وأطلق ضمان غزل الذهب ، وكان صناع السقلاطون ، والممزج ، وغيرهم ممن يعمل منه ، يلقون شدة من العمال عليها ، وأذى عظيما .

            وفيها تأخر مسير الحجاج تأخرا أرجف بسببه بانقطاع الحج من العراق فرتب الخليفة الأمير نظر ، خادم أمير الجيوش يمن ، وولاه من أمر الحج ما كان يتولاه أمير الجيوش ، وأعطاه من المال ما يحتاج إليه في طريقه ، وسيره ، فأدركوا الحج وظهرت كفاية نظر .

            وفيها وصل مركبان كبيران فيهما قوة ونجدة للفرنج بالشام ، فغرقا ، وكان الناس قد خافوا ممن فيهما .

            وفيها وصل رسول إيلغازي ، صاحب حلب وماردين ، إلى بغداذ يستنفر على الفرنج ، ويذكر ما فعلوا بالمسلمين في الديار الجزرية ، وأنهم ملكوا قلعة عند الرها ، وقتلوا أميرها ابن عطير ، فسيرت الكتب بذلك إلى السلطان محمود .

            وفيها نقل المستظهر إلى الرصافة ، وجميع من كان مدفونا بدار الخلافة ، وفيهم جدة المستظهر أم المقتدي ، وكانت وفاتها بعد المستظهر ، ورأت البطن الرابع من أولادها .

            وفيها كثر أمر العيارين بالجانب الغربي من بغداذ ، فعبر إليهم نائب الشحنة في خمسين غلاما أتراكا ، فقاتلهم ، فانهزم منهم ، ثم عبر إليهم من الغد في مائتي غلام ، فلم يظفر بهم ، ونهب العيارون يومئذ قطفتا . وتوفي ولد المسترشد الأكبر  فدفن في الدار مع المستظهر ، ثم توفي ولد له آخر [بالجدري] فبكى عليه المسترشد حتى أغمي عليه .

            وطولب ابن حمويه بمال فباع في يوم ثلاثة آلاف قطعة ثياب غير الأثاث والقماش ، وأخرج ابن بكري من الحبس وقرر عليه ثلاثة آلاف دينار وخمسمائة ، وتقدم ببيع أملاكه ليوفي ، وأضيفت دار سيف الدولة إلى الجامع ، وكتب دبيس بن مزيد فتوى في رجل اشترى دارا فغصبها منه رجل وجعلها مسجدا ، هل يصح له ذلك أم يجب إعادتها إلى مكانها ؟ فكتب قاضي القضاة وجماعة من الفقهاء: يجب ردها إلى مالكها وينقض وقفها ، فرفع ذلك إلى المسترشد وطالب بداره التي أضيفت إلى الجامع ، فأظهر بها كتابا مثبتا في ديوان الحكم أنه اشتراها أبوه من وكيل المستظهر بخمسة عشر ألف دينار وأنفق عليها ثمانية عشر ألف دينار .

            وفي رجب: خلع المسترشد على دبيس جبة وفرجية وعمامة وطوقا وفرسا ومركبا وسيفا ومنطقة ولواء ، وحمل الخلع نقيب النقباء وابن السيبي ونجاح ، وكان يوما مشهودا .

            وفي رابع ذي القعدة: خلع المسترشد على نظر ، ولقبه أمير الحرمين ، وأعطى حقيبتين ولوائين وسبعة أحمال كوسات ، وسار للحج .

            وفي ذي الحجة صرف أبو جعفر بن الدامغاني عن حجبة الباب ، وجلس أبو غالب بن المعوج ثم خرج أبو الفرج بن طلحة ، فجلس بباب النوبي وجلس ابن المعوج نائبه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية