الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثم دخلت سنة خمس وعشرين وخمسمائة

            ذكر أسر دبيس بن صدقة وتسليمه إلى عماد الدين زنكي

            في هذه السنة في شعبان ، أسر تاج الملوك بوري بن طغتكين صاحب دمشق ، الأمير دبيس بن صدقة صاحب الحلة ، وسلمه إلى أتابك الشهيد زنكي بن آقسنقر .

            وسبب ذلك أنه لما فارق البصرة - على ما ذكرناه - جاءه قاصد من الشام من صرخد يستدعيه إليها ; لأن صاحبها كان خصيا ، فتوفي هذه السنة ، وخلف جارية سرية له ، فاستولت على القلعة وما فيها ، وعلمت أنها لا يتم لها ذلك إلا بأن تتصل برجل له قوة ونجدة ، فوصف لها دبيس بن صدقة وكثرة عشيرته ، وذكر لها حاله وما هو عليه بالعراق ، فأرسلت تدعوه إلى صرخد لتتزوج به ، وتسلم القلعة وما فيها من مال وغيره إليه .

            فأخذ الأدلاء معه ، وسار من أرض العراق إلى الشام ، فضل به الأدلاء بنواحي دمشق ، فنزل بناس من كلب شرقي الغوطة ، فأخذوه وحملوه إلى تاج الملوك صاحب دمشق ، فحبسه عنده .

            وسمع أتابك عماد الدين زنكي الخبر ، وكان دبيس يقع فيه وينال منه ، فأرسل إلى تاج الملوك يطلب منه دبيسا ليسلمه إليه ويطلق ولده ، ومن معه من الأمراء المأسورين ، وإن امتنع من تسليمه سار إلى دمشق وحصرها وخربها ، ونهب بلدها ، فأجاب تاج الملوك إلى ذلك ، وأرسل أتابك سونج بن تاج الملوك والأمراء الذين معه ، وأرسل تاج الملوك دبيسا ، فأيقن دبيس بالهلاك ، ففعل زنكي معه خلاف ما ظن وأحسن إليه ، وحمل له الأقوات والسلاح والدواب وسائر أمتعة الخزائن ، وقدمه حتى على نفسه ، وفعل معه ما يفعل أكابر الملوك .

            ولما سمع المسترشد بالله بقبضه بدمشق أرسل سديد الدولة بن الأنباري وأبا بكر بن بشر الجزري من جزيرة ابن عمر إلى تاج الملوك يطلب منه أن يسلم دبيسا إليه لما كان متحققا به من عداوة الخليفة ، فسمع سديد الدولة بن الأنباري بتسلمه إلى عماد الدين وهو في الطريق ، فسار إلى دمشق ولم يرجع ، وذم أتابك زنكي بدمشق واستخف به ، وبلغ الخبر عماد الدين ، فأرسل إلى طريقه من يأخذه إذا عاد ، فلما رجع من دمشق قبضوا عليه وعلى ابن بشر ، وحملوهما إليه ، فأما ابن بشر فأهانه وجرى في حقه مكروه ، وأما ابن الأنباري فسجنه .

            ثم إن المسترشد بالله شفع فيه فأطلق ، ولم يزل دبيس مع زنكي حتى انحدر معه إلى العراق .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية