الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ثم دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة

            ذكر قتل أبي علي وزير الحافظ ، ووزارة يانس وموته

            في هذه السنة في المحرم قتل الأفضل أبو علي بن الأفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي صاحب مصر .

            وسبب قتله أنه قد حجر على الحافظ ، ومنعه أن يحكم في شيء من الأمور ، قليل أو جليل ، وأخذ ما في قصر الخلافة إلى داره ، وأسقط من الدعاء ذكر إسماعيل الذي هو جدهم وإليه تنسب الإسماعيلية ، وهو ابن جعفر بن محمد الصادق ، وأسقط من الأذان حي على خير العمل ، ولم يخطب للحافظ ، وأمر الخطباء أن يخطبوا له بألقاب كتبها لهم ، وهي : السيد الأفضل الأجل ، سيد مماليك أرباب الدول ، والمحامي عن حوزة الدين ، وناشر جناح العدل على المسلمين الأقربين والأبعدين ، ناصر إمام الحق في حالتي غيبته وحضوره ، والقائم بنصرته بماضي سيفه وصائب رأيه وتدبيره ، أمين الله على عباده ، وهادي القضاة إلى اتباع شرع الحق واعتماده ، ومرشد دعاة المؤمنين بواضح بيانه وإرشاده ، مولى النعم ، ورافع الجور عن الأمم ، ومالك فضيلتي السيف والقلم ، أبو علي أحمد السيد الأجل الأفضل ، شاهنشاه أمير الجيوش .

            وكان إمامي المذهب ، يكثر ذم الآمر ، والتناقص به ، فنفرت منه شيعة العلويين ومماليكهم وكرهوه ، وعزموا على قتله ، فخرج في العشرين من المحرم من هذه السنة إلى الميدان يلعب بالكرة مع أصحابه ، فكمن له جماعة منهم مملوك فرنجي كان للحافظ ، فخرجوا عليه ، فحمل الفرنجي عليه ، فطعنه فقتله ، وحزوا رأسه ، وخرج الحافظ من الخزانة التي كان فيها ، ونهب الناس دار أبي علي ، وأخذ منها ما لا يحصى ، وركب الناس والحافظ إلى داره ، فأخذ ما بقي فيها ، وحمله إلى القصر .

            وبويع يومئذ الحافظ بالخلافة ، وكان قد بويع له بولاية العهد ، وأن يكون كافلا لحمل إن كان للآمر ، فلما بويع بالخلافة استوزر أبا الفتح يانس الحافظي في ذلك اليوم بعينه ، ولقب أمير الجيوش ، وكان عظيم الهيبة ، بعيد الغور ، كثير الشر ، فخافه الحافظ على نفسه ، وتخيل منه يانس فاحتاط ، ولم يأكل عنده شيئا ولا شرب ، فاحتال عليه الحافظ بأن وضع له فراشه في بيت الطهارة ماء مسموما فاغتسل به ، فوقع الدود في سفله ، وقيل له : متى قمت من مكانك هلكت ، فكان يعالج بأن يجعل اللحم الطري في المحل ، فيعلق به الدود فيخرج ويجعل عوضه ، فقارب الشفاء ، فقيل للحافظ : إنه قد صلح ، وإن تحرك هلك ، فركب إليه الحافظ كأنه يعوده ، فقام له ومشى إلى بين يديه ، وقعد الحافظ عنده ، ثم خرج من عنده ، فتوفي من ليلته ، وكان موته في السادس والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة .

            ولما مات يانس استوزر الحافظ ابنه حسنا ، وخطب له بولاية العهد ، وسيرد ذكر قتله سنة تسع وعشرين [ وخمسمائة ] .

            وإنما ذكرت ألقاب أبي علي تعجبا منها ومن حماقة ذلك الرجل ، فإن وزير صاحب مصر وحدها إذا كان هكذا فينبغي أن يكون وزير السلاطين السلجوقية كنظام الملك وغيره ، يدعون الربوبية ، على أن تربة مصر هكذا تولد ، ألا ترى إلى فرعون يقول : أنا ربكم الأعلى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية