ذكر وفاة سيف الدين غازي بن أتابك زنكي وبعض سيرته وملك أخيه قطب الدين
في هذه السنة توفي سيف الدين غازي بن أتابك زنكي صاحب الموصل بها بمرض حاد ، ولما اشتد مرضه أرسل إلى بغداد واستدعى أوحد الزمان ، فحضر عنده ، فرأى شدة مرضه ، فعالجه ، فلم ينجع فيه الدواء ، وتوفي أواخر جمادى الآخرة ، وكانت ولايته ثلاث سنين وشهرا وعشرين يوما ; وكان حسن الصورة والشباب ، وكانت ولادته سنة خمسمائة ، ودفن بالمدرسة التي بناها بالموصل ، وخلف ولدا ذكرا ، فرباه عمه نور الدين محمود ، وأحسن تربيته ، وزوجه ابنة أخيه قطب الدين مودود ، فلم تطل أيامه وتوفي في عنفوان شبابه ، فانقرض عقبه .
وكان كريما شجاعا عاقلا ، وكان يصنع كل يوم لعسكره طعاما كثيرا مرتين بكرة وعشية ، فأما الذي بكرة فيكون مائة رأس غنم جيدة ، وهو أول من حمل على رأسه السنجق ، وأمر الأجناد ألا يركبوا إلا بالسيف في أوساطهم والدبوس تحت ركبهم ، فلما فعل ذلك اقتدى به أصحاب الأطراف . بنى المدرسة الأتابكية العتيقة بالموصل ، وهي من أحسن المدارس ، ووقفها على الفقهاء الحنفية والشافعية ، وبنى رباطا للصوفية بالموصل أيضا على باب المشرعة ، ولم تطل أيامه ليفعل ما في نفسه من الخير ، وكان عظيم الهمة ، ومن جملة كرمه أنه قصده شهاب الدين الحيص بيص وامتدحه بقصيدته التي أولها :
إلام يراك المجد في زي شاعر وقد نحلت شوقا فروع المنابر
فوصله بألف دينار عينا سوى الخلع وغيرها .
ولما توفي سيف الدين غازي كان أخوه قطب الدين مقيما بالموصل ، فاتفق جمال الدين الوزير وزين الدين علي أمير الجيش على تمليكه ، فأحضروه ، واستحلفوه ، وحلفوا له ، وأركبوه إلى دار السلطنة ، وزين الدين في ركابه ، وأطاعه جميع بلاد سيف الدين كالموصل ، والجزيرة ، والشام .
ولما ملك تزوج الخاتون ابنة حسام الدين تمرتاش التي كان قد تزوجها أخوه سيف الدين وتوفي قبل الدخول بها ، وهي أم أولاد قطب الدين : سيف الدين ، وعز الدين وغيرهما من أولاده .