الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ذكر مسير صلاح الدين إلى الشام وإغارته على الفرنج

            في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ، خامس المحرم ، سار صلاح الدين عن مصر إلى الشام ، لمناجزة الأعداء والإحسان إلى الأولياء ، وكان ذلك آخر عهده بمصر لم يعد إليها بعد ذلك ، وقد أغار في طريقه على أطراف بلاد الفرنج بأرض الكرك وجعل أخاه تاج الملوك بوري بن أيوب على الميمنة يسير ناحية عنه ; ليتمكنوا من بلاد العدو فالتقوا على الأزرق بعد سبعة أيام ، وقد أغار نائب دمشق عز الدين فروخشاه على بلاد طبرية وما حولها ، وافتتح حصونا جيدة ، وأسر منهم ألفا ، وغنم عشرين ألف رأس من الأنعام ، بيض الله وجهه . وكان دخول السلطان إلى دمشق سابع عشر من صفر ثم خرج في العشر الأول من ربيع الأول ، فاقتتل مع الفرنج في نواحي طبرية وبيسان تحت حصن كوكب ، فقتل خلق من الفريقين ، ولكن كانت الدائرة للمسلمين ، ورجع مؤيدا منصورا .

            ثم ركب السلطان في جحافله وعساكره قاصدا حلب وبلاد الشرق ليأخذها ; وذلك أن المواصلة والحلبيين قد كاتبوا الفرنج حتى يغزوا على أطراف البلاد ليشغلوا الناصر بنفسه عنهم ، فكان مسيره على بلاد البقاع ثم إلى حماة ثم إلى حلب فحاصرها ثلاثا ، ورأى العدول عنها إلى غيرها أولى به ومن عجيب ما يحكى من التطير أنه لما برز من القاهرة أقام بخيمته حتى تجتمع العساكر والناس عنده ، وأعيان دولته والعلماء وأرباب الآداب ، فمن بين مودع له وسائر معه ، وكل منهم يقول شيئا في الوداع والفراق ، وما هم بصدده من السفر ، وفي الحاضرين معلم لبعض أولاده ، فأخرج رأسه من بين الحاضرين وأنشد :


            تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار



            فانقبض صلاح الدين بعد انبساطه وتطير ، وتنكد المجلس على الحاضرين ، فلم يعد إليها إلى أن مات مع طول المدة .

            ثم سار عن مصر وتبعه من التجار وأهل البلاد ، ومن كان قصد مصر من الشام بسبب الغلاء بالشام وغيره ، عالم كثير ، ثم سار فأتى دمشق ، فوصلها حادي عشر صفر من السنة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية