الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب




            ذكر وقعة الفرنج واليزك وعود صلاح الدين إلى منازلة الفرنج

            قد ذكرنا رحيل صلاح الدين عن عكا إلى الخروبة لمرضه ، فلما برأ أقام بمكانه إلى أن ذهب الشتاء ، وفي مدة مقامه بالخروبة كان يزكه وطلائعه لا تنقطع عن الفرنج .

            فلما دخل صفر من سنة ست وثمانين وخمسمائة سمع الفرنج أن صلاح الدين قد سار للصيد ، ورأى العسكر الذي في اليزك عندهم قليلا ، وأن الوحل الذي في مرج عكا كثير يمنع من سلوكه من أراد أن ينجد اليزك .

            فاغتنموا ذلك ، وأصبحت أمداد الفرنج تقدم عليهم من البحر في كل وقت وكل حين حتى إن النساء ليخرجن بنية القتال ومنهن من تأتي بنية راحة الغرباء في الغربة قدم إليهم مركب فيه ثلاثمائة امرأة حسناء بهذه النية حتى إن كثيرا من فسقة المسلمين تحيزوا إليهم لأجل هذه النسوة وخرجوا من خندقهم على اليزك وقت العصر ، فقاتلهم المسلمون ، وحموا أنفسهم بالنشاب ، وأحجم الفرنج عنهم ، حتى فني نشابهم ، فحملوا عليهم حينئذ حملة رجل واحد ، فاشتد القتال ، وعظم الأمر ، وعلم المسلمون أنه لا ينجيهم إلا الصبر وصدق القتال ، فقاتلوا قتال مستقتل إلى أن جاء الليل ، وقتل من الفريقين جماعة كثيرة ، وعاد الفرنج إلى خندقهم .

            ولما عاد صلاح الدين إلى المعسكر سمع خبر الوقعة ، فندب الناس إلى نصر إخوانهم ، فأتاه الخبر أن الفرنج عادوا إلى خندقهم ، فأقام ، ثم إنه رأى الشتاء قد ذهب ، وجاءته العساكر من البلاد القريبة منه ، دمشق وحمص وحماة وغيرها .

            فتقدم من الخروبة نحو عكا ، فنزل بتل كيسان ، وقاتل الفرنج كل يوم ليشغلهم عن قتال من بعكا من المسلمين ، فكانوا يقاتلون الطائفتين ولا يسأمون . وكان سبب نفر النصارى في هذا العام ما ذكره ابن الأثير في " كامله " أن جماعة من الرهبان والقسوس ركبوا من مدينة صور في أربعة مراكب يطوفون البلدان البحرية يحثونهم على الانتصار لبيت المقدس وما جرى على أهل السواحل من القتل والسبي وخراب الديار وقد صوروا صورة المسيح وصورة عربي يضربه فإذا سألوهم من هذا الذي يضرب المسيح ؟ قالوا : هذا نبي العرب يضربه وقد جرحه ومات فينزعجون عند ذلك ويحمون ويبكون ويحزنون ويخرجون من بلادهم لنصرة دينهم ونبيهم وموضع حجهم على الصعب والذلول حتى النساء المخدرات والأبناء الذين هم عند أهليهم من أعز الثمرات وأخص الخدرات .

            وفي نصف ربيع الأول تسلم السلطان شقيف أرنون بالأمان وكان صاحبه مأسورا في الذل والهوان وكان من أدهى الفرنج وأخبرهم بأيام الناس وربما قرأ في كتب الحديث وتفسير القرآن وكان مع هذا غليظ الجلد كافر القلب ، قبحه الله تعالى .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية