في سنة تسعين وخمسمائة وصل الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين ، وهو صاحب مصر ، إلى مدينة دمشق ، فحصرها وبها أخوه الأكبر الملك الأفضل علي بن صلاح الدين . وكنت حينئذ بدمشق ، فنزل بنواحي ميدان الحصى ، فخيم على الكسوة يوم السبت سادس جمادى ، وحاصر البلد ، فمانعه أخوه ، ودافعه عنها فقطعت الأنهار ونهبت الثمار ، واشتد الحال فأرسل الأفضل إلى عمه الملك العادل . أبي بكر بن أيوب ، وهو صاحب الديار الجزرية ، يستنجده ، وكان الأفضل غاية الواثق به والمعتمد عليه ، وقد سبق ما يدل على ذلك ، فسار الملك العادل إلى دمشق هو والملك الظاهر غازي بن صلاح الدين - صاحب حلب - ، وناصر الدين محمد بن تقي الدين - صاحب حماة - ، وأسد الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه - صاحب حمص - ، وعسكر الموصل وغيرها ، كل هؤلاء اجتمعوا بدمشق ، واتفقوا على حفظها . علما منهم أن العزيز إن ملكها أخذ بلادهم . حصر العزيز مدينة دمشق
فلما رأى العزيز اجتماعهم علم أنه لا قدرة له على البلد ، فترددت الرسل حينئذ في الصلح ، فاستقرت القاعدة على أن يكون البيت المقدس وما جاوره من أعمال فلسطين للعزيز ، وتبقى دمشق وطبرية وأعمالها والغور للأفضل ، على ما كانت عليه ، وأن يعطي الأفضل أخاه الملك الظاهر جبلة ولاذقية بالساحل الشامي ، وأن يكون للعادل بمصر إقطاعه الأول ، واتفقوا على ذلك ، ورجع كل واحد من الملوك إلى بلده . وتزوج العزيز بابنة عمه العادل ، ومرض ثم عوفي ، وهو مخيم بمرج الصفر ، وخرجت الملوك لتهنئته بالعافية والتزويج والصلح ، ثم كر راجعا إلى مصر لطول شوقه إلى أهله ، وأولاده .
وكان الأفضل بعد موت أبيه قد أساء التدبير فأبعد أمراء أبيه ، وخواصه ، وقرب الأجانب ، وأقبل على شرب المسكر واللهو واللعب ، واستحوذ عليه وزيره ضياء الدين بن الأثير الجزري ، وهو الذي كان يحدوه إلى ذلك فتلف وأتلفه ، وأضل وأضله ، وزالت النعمة عنهما ، كما سيأتي .