الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            حصر العزيز مدينة دمشق  في سنة تسعين وخمسمائة وصل الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين ، وهو صاحب مصر ، إلى مدينة دمشق ، فحصرها وبها أخوه الأكبر الملك الأفضل علي بن صلاح الدين . وكنت حينئذ بدمشق ، فنزل بنواحي ميدان الحصى ، فخيم على الكسوة يوم السبت سادس جمادى ، وحاصر البلد ، فمانعه أخوه ، ودافعه عنها فقطعت الأنهار ونهبت الثمار ، واشتد الحال فأرسل الأفضل إلى عمه الملك العادل . أبي بكر بن أيوب ، وهو صاحب الديار الجزرية ، يستنجده ، وكان الأفضل غاية الواثق به والمعتمد عليه ، وقد سبق ما يدل على ذلك ، فسار الملك العادل إلى دمشق هو والملك الظاهر غازي بن صلاح الدين - صاحب حلب - ، وناصر الدين محمد بن تقي الدين - صاحب حماة - ، وأسد الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه - صاحب حمص - ، وعسكر الموصل وغيرها ، كل هؤلاء اجتمعوا بدمشق ، واتفقوا على حفظها . علما منهم أن العزيز إن ملكها أخذ بلادهم .

            فلما رأى العزيز اجتماعهم علم أنه لا قدرة له على البلد ، فترددت الرسل حينئذ في الصلح ، فاستقرت القاعدة على أن يكون البيت المقدس وما جاوره من أعمال فلسطين للعزيز ، وتبقى دمشق وطبرية وأعمالها والغور للأفضل ، على ما كانت عليه ، وأن يعطي الأفضل أخاه الملك الظاهر جبلة ولاذقية بالساحل الشامي ، وأن يكون للعادل بمصر إقطاعه الأول ، واتفقوا على ذلك ، ورجع كل واحد من الملوك إلى بلده . وتزوج العزيز بابنة عمه العادل ، ومرض ثم عوفي ، وهو مخيم بمرج الصفر ، وخرجت الملوك لتهنئته بالعافية والتزويج والصلح ، ثم كر راجعا إلى مصر لطول شوقه إلى أهله ، وأولاده .

            وكان الأفضل بعد موت أبيه قد أساء التدبير فأبعد أمراء أبيه ، وخواصه ، وقرب الأجانب ، وأقبل على شرب المسكر واللهو واللعب ، واستحوذ عليه وزيره ضياء الدين بن الأثير الجزري ، وهو الذي كان يحدوه إلى ذلك فتلف وأتلفه ، وأضل وأضله ، وزالت النعمة عنهما ، كما سيأتي .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية