الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            وفاة خوارزم شاه

             في سنة ست وتسعين وخمسمائة ، في العشرين من رمضان ، توفي خوارزم شاه تكش بن ألب أرسلان ، من ولد طاهر بن الحسين ، وهو صاحب خوارزم وبعض خراسان والري وغير ذلك من الأقاليم المتسعة ، وهو الذي قطع دولة السلاجقة ، كان عادلا حسن السيرة ، وله معرفة جيدة بالموسيقى ، حسن المعاشرة . وكان قد سار من خوارزم إلى خراسان ، وكان به خوانيق ، فأشار عليه الأطباء بترك الحركة ، فامتنع ، وسار ، فلما قارب شهرستانة اشتد مرضه ومات ، ولما اشتد مرضه أرسلوا إلى ابنه قطب الدين محمد يستدعونه ، ويعرفونه شدة مرض أبيه ، فسار إليهم وقد مات أبوه ، فولي الملك بعده ، ولقب علاء الدين ، لقب أبيه ، وكان لقبه قطب الدين ، وأمر فحمل أبوه ودفن بخوارزم ( في تربة عملها في مدرسة بناها كبيرة عظيمة ) ، وكان عادلا حسن السيرة ، له معرفة حسنة وعلم ، يعرف الفقه على مذهب أبي حنيفة ، ويعرف الأصول .

            وكان ولده علي شاه بأصفهان ، فأرسل إليه أخوه خوارزم شاه محمد يستدعيه ، فسار إليه ، فنهب أهل أصفهان خزانته ورحله ، فلما وصل إلى أخيه وولاه حرب أهل خراسان ، والتقدم على جندها ، وسلم إليه نيسابور وكان هندوخان [ بن ] ملكشاه بن خوارزم شاه تكش يخاف عمه محمدا ، فهرب منه ، ونهب كثيرا من خزائن جده تكش لما مات ، وكان معه ، وسار إلى مرو .

            ولما سمع غياث الدين ملك غزنة بوفاة خوارزم شاه أمر أن لا تضرب نوبته ثلاثة أيام ، وجلس للعزاء على ما بينهما من العداوة والمحاربة ، فعل ذلك عقلا منه ومروءة ، ثم إن هندوخان جمع جمعا كثيرا بخراسان ، فسير إليه عمه خوارزم شاه محمد جيشا مقدمهم جقر التركي ، فلما سمع هندوخان بمسيره هرب عن خراسان وسار إلى غياث الدين يستنجده على عمه ، فأكرم لقاءه وإنزاله ، وأقطعه ، ووعده النصرة ، فأقام عنده ، ودخل جقر مدينة مرو ، وبها والدة هندوخان وأولاده ، فاستظهر عليهم ، وأعلم صاحبه ، فأمره بإرسالهم إلى خوارزم مكرمين ، فلما سمع غياث الدين ذلك أرسل إلى محمد بن جربك ، صاحب الطالقان ، يأمره أن يرسل [ إلى ] جقر يتهدده ، ففعل [ ذلك ] وسار من الطالقان ، فأخذ مرو الروذ ، والخمس قرى وتسمى بالفارسية بنج ده ، وأرسل إلى جقر يأمره بإقامة الخطبة بمرو لغياث الدين ، أو يفارق البلد ، فأعاد الجواب يتهدد ابن جربك ويتوعده ، وكتب إليه يسأله أن يأخذ له أمانا من غياث الدين ليحضر خدمته ، فكتب إلى غياث الدين بذلك ، فلما قرأ كتابه ، وعلم أن خوارزم شاه ليس له قوة ، فلهذا طلب جقر الانحياز إليه ، فقوي طمعه في البلاد ، وكتب إلى أخيه شهاب الدين يأمره بالخروج إلى خراسان ليتفقا على أخذ بلاد خوارزم شاه محمد .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية