الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            كسر المنصور الخوارزمية عند بحيرة حمص

            ثم دخلت سنة أربع وأربعين وستمائة

            فيها كسر المنصور الخوارزمية عند بحيرة حمص
            ، واستقرت يد نواب الصالح أيوب على دمشق وبعلبك وبصرى ، ثم في جمادى الآخرة كسر فخر الدين بن الشيخ الخوارزمية على الصلت كسرة ، فرق بقية شملهم ، ثم حاصر الناصر بالكرك ، ورجع عنه إلى دمشق . دخول الصالح أيوب دمشق

            وقدم الصالح أيوب إلى دمشق في ذي القعدة ، فأحسن إلى أهلها ، وتسلم هذه المدن ، وانتزع صرخد من يد عز الدين أيبك ، وعوضه عنها ، وأخذ الصلت من الناصر داود بن المعظم ، وأخذ حصن الصبيبة من السعيد بن العزيز بن العادل ، وعظم شأنه جدا ، وزار في رجوعه بيت المقدس ، وتفقد أحواله ، وأمر بإعادة أسواره أن تعمر كما كانت في الدولة الناصرية ، فاتح القدس ، وأن يصرف الخراج وما يتحصل من غلات بيت المقدس في ذلك ، وإن عاز شيئا صرفه من عنده . إباحة دم الأنبرور ملك الفرنج

            وفيها قدمت الرسل من عند البابا الذي للنصارى تخبر بأنه قد أباح دم الأنبرور ملك الفرنج; لتهاونه في قتال المسلمين ، وأرسل طائفة من عنده ليقتلوه ، فلما انتهوا إليه كان استعد لهم ، وأجلس مملوكا له على السرير ، فاعتقدوه الملك فقتلوه ، فعند ذلك أخذهم الأنبرور فصلبهم على باب قصره بعد ما ذبحهم وسلخهم وحشا جلودهم تبنا ، فلما بلغ ذلك البابا أرسل إليه جيشا كثيفا لقتاله ، فأوقع الله تعالى بينهم الخلاف بسبب ذلك ، ولله الحمد والمنة . وبه التوفيق والعصمة . هبوب عاصفة شديدة

            وفيها هبت ريح عاصفة شديدة بمكة يوم الثلاثاء ثامن عشر ربيع الآخر ، فألقت ستارة الكعبة المشرفة ، وكانت قد عتقت فإنها من سنة أربعين لم تجدد; لعدم الحج في تلك السنين من ناحية الخليفة ، فما سكنت الريح إلا والكعبة عريانة وقد زال عنها شعار السواد ، وكان هذا فألا على زوال دولة بني العباس ، ومنذرا بما سيقع بعد هذا من كائنة التتار ، لعنهم الله تعالى . فاستأذن نائب اليمن عمر بن رسول شيخ الحرم العفيف منصور بن منعة في أن يكسو الكعبة ، فقال : لا يكون هذا إلا من مال الخليفة . ولم يكن عنده مال فاقترض ثلاثمائة دينار ، واشترى ثياب قطن ، وصبغها سوادا ، وركب عليها طرازاتها العتيقة ، وكسا بها الكعبة ، ومكثت الكعبة ليس عليها كسوة إحدى وعشرين ليلة . افتتاح دار الكتب

            وفيها فتحت دار الكتب التي أنشأها الوزير مؤيد الدين محمد بن أحمد العلقمي بدار الوزارة . وجاءت في نهاية الحسن ، ووضع فيها من الكتب النفيسة النافعة شيء كثير ، وامتدحها الشعراء بأبيات وقصائد حسان طهور الأميرين أبا العباس أحمد وأبا الفضائل عبد الرحمن

            وفي أواخر ذي الحجة طهر الخليفة المستعصم بالله ولديه الأميرين أبا العباس أحمد وأبا الفضائل عبد الرحمن ، وعملت ولائم ومآكل وأفراح ومسرة لا يسمع بمثلها من أزمان متطاولة ، وكان ذلك وداعا لمسرات بغداد وأهلها في ذلك الزمان . سجن الأمير عماد الدين داود بن موسك

            وفيها احتاط الناصر داود صاحب الكرك على الأمير عماد الدين داود بن موسك ، وكان من خيار الأمراء والأجواد والأمجاد ، واصطفى أمواله كلها ، وسجنه عنده في الكرك ، فشفع فيه فخر الدين بن الشيخ لما كان محاصره في الكرك فأطلقه ، فخرجت في حلقه خراجة ، فبطها فمات ، ودفن عند قبر جعفر والشهداء بمؤتة - رحمه الله تعالى - .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية