فيها كانت ووفاة الشيخ محيي الدين النووي إمام الشافعية فيها في اليوم السابع من المحرم منها .
ودخل السلطان الملك الظاهر من بلاد الروم ، وقد كسر التتار على البلستين ، ورجع مؤيدا منصورا ، فدخل دمشق وكان يوم دخوله يوما مشهودا ، فنزل بالقصر الأبلق الذي بناه غربي دمشق بين الميدانين الأخضرين ، وتواترت الأخبار إليه بأن أبغا جاء إلى المعركة ، ونظر إليها ، وتأسف على من قتل من المغول ، وأمر بقتل البرواناه ، وذكروا أنه قد عزم على قصد الشام ، فأمر السلطان بجمع الأمراء ، وضرب مشورة ، فاتفق مع الأمراء على ملاقاته حيث كان ، وتقدم بضرب الدهليز على القصر ، ثم جاء الخبر بأن أبغا قد رجع إلى بلاده ، فأمر برد الدهليز ، وأقام بالقصر الأبلق يجتمع عنده الأعيان والأمراء والدولة في أسر حال ، وأنعم بال . وأما أبغا فإنه أمر بقتل البرواناه - وكان نائبه على بلاد الروم - وكان اسمه معين الدين سليمان بن علي بن محمد بن حسن ، وإنما قتله لأنه اتهمه بممالأته للملك الظاهر ، وزعم أنه هو الذي حسن له دخول بلاد الروم ، وكان البرواناه شجاعا حازما كريما جوادا ، وله ميل إلى الملك الظاهر ، وكان قد جاوز الخمسين لما قتل .
ثم لما كان يوم السبت خامس عشر المحرم توفي ، عن أربع وستين سنة ، وكان رجلا جيدا سليم الصدر ، كريم الأخلاق ، لين الكلمة ، كثير التواضع ، يعاني ملابس العرب ومراكبهم ، وكان معظما في الدولة شجاعا مقداما ، وقد روى عن ابن اللتي ، وأجاز للبرزالي . قال البرزالي : ويقال : إنه سم . وذكر غيره أن السلطان الملك الظاهر سمه في كأس ثم ناوله إياه ، فشربه وقام السلطان إلى المرتفق ، ثم عاد وأخذ الساقي الكأس من يد القاهر ، فملأه وناوله السلطان الظاهر والساقي لا يشعر بشيء مما جرى ، وأنسى الله السلطان ذلك الكأس ، أو ظن أنه غيره لأمر يريده الله ويقضيه ، وكان قد بقي في الكأس بقية كثيرة من ذلك السم ، فشرب الظاهر ما في الكأس ، ولم يشعر حتى شربه ، فاشتكى بطنه من ساعته ، ووجد الوهج والحر والكرب الشديد من فوره ، وأما القاهر فإنه حمل إلى منزله وهو مغلوب ، فمات من ليلته ، وتمرض الظاهر من ذلك أياما حتى كانت وفاته يوم الخميس بعد الظهر في السابع والعشرين من المحرم بالقصر الأبلق ، وكان ذلك يوما عظيما على الأمراء ، وحضر نائب السلطنة عز الدين أيدمر وكبار الأمراء والدولة ، فصلوا عليه سرا ، وجعلوه في تابوت ، ورفعوه إلى القلعة من السور ، وجعلوه في بيت من بيوت البحرية إلى أن نقل إلى تربته التي بناها ولده له بعد موته ، وهي دار العقيقي تجاه العادلية الكبيرة ، ليلة الجمعة خامس رجب من هذه السنة ، وكتم موته ، فلم يعلم جمهور الناس به ، حتى إذا كان العشر الأخير من ربيع الأول ، وجاءت البيعة لولده السعيد من مصر ، حزن الناس عليه حزنا شديدا ، وترحموا عليه ترحما كثيرا ، وجددت البيعة أيضا بدمشق ، وجاء تقليد النيابة بالشام مجددا إلى عز الدين أيدمر نائبها . الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك ابن السلطان المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب