ممن توفي فيها من الأعيان :
أبغا ملك التتار بن هولاكوقان بن تولي بن جنكزخان
كان عالي الهمة ، بعيد الغور له رأي وتدبير ، وبلغ من العمر خمسين سنة ، ومدة ملكه ثماني عشرة سنة ، ولم يكن بعد والده في التدبير والحزم مثله ، ولم تكن وقعة حمص هذه برأيه ولا عن مشورته ، ولكن أخوه منكوتمر أحب ذلك ، فلم يخالفه .
ورأيت في بعض تواريخ البغاددة أن قدوم منكوتمر إلى الشام إنما كان عن مكاتبة سنقر الأشقر إليه . فالله أعلم . وقد جاء أبغا هذا بنفسه فنزل قريبا من الفرات لينظر ماذا يكون من الأمر ، فلما جرى عليهم ما جرى ساءه ذلك ، ومات غما وحزنا . توفي بين العيدين من هذه السنة ، وقام بالملك بعده ولده.
السلطان أحمد .
قاضي القضاة صدر الدين أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين يحيى بن هبة الله بن الحسن بن يحيى بن محمد بن علي الشافعي ، ابن سني الدولة نجم الدين أبو بكر بن قاضي القضاة
ولد سنة ست عشرة وستمائة ، وسمع الحديث ، وبرع في المذهب ، وناب عن أبيه وشكرت سيرته ، واستقل بالقضاء في الدولة المظفرية ، فحمد أيضا ، وكان الشيخ شهاب الدين ينال منه ومن أبيه . وقال البرزالي : كان شديدا في الأحكام متحريا ، وقد ألزم بالمقام بمصر ، فدرس بجامع مصر ، ثم عاد إلى دمشق ، فدرس بالأمينية والركنية ، وباشر قضاء حلب ، وعاد إلى دمشق ، وولاه سنجر قضاء دمشق ، ثم عزل بابن خلكان كما تقدم ، ثم كانت وفاته يوم الثلاثاء ثامن المحرم ، ودفن من الغد يوم تاسوعاء بتربة جده بقاسيون .
وفي عاشر المحرم توفي :
قاضي القضاة بن خلف بن أبي القاسم العلامي ابن بنت الأعز المصري صدر الدين عمر بن القاضي تاج الدين عبد الوهاب
كان فاضلا بارعا عارفا بالمذهب ، متحريا في الأحكام كأبيه ، ، ودفن بالقرافة .
الشيخ الموله المعروف بالجيعانة إبراهيم بن سعيد الشاغوري
كان مشهورا بدمشق ، ويذكر له أحوال ومكاشفات على ألسنة العوام ومن لا يعقل ، ولم يكن ممن يحافظ على الصلوات ، ولا يصوم مع الناس ، ومع هذا كان كثير من العوام وغيرهم يعتقدونه! توفي يوم الأحد سابع جمادى الأولى ، ودفن بتربة المولهين بسفح قاسيون عند الشيخ يوسف القميني ، وقد توفي الشيخ يوسف قبله بمدة ، وكان الشيخ يوسف يسكن قمين حمام نور الدين الشهيد بالبزوريين ، وكان يجلس على النجاسات والقذر ، وكان يلبس ثيابا بداوية تجحف على النجاسات في الأزقة ، وكان له قبول من الناس ومحبة وطاعة ، وكان العوام يغالون في محبته واعتقاده ، وكان لا يصلي ولا يتقي نجاسة ومن جاءه زائرا جلس عنده بالقمين على النجاسة ، وكان العوام يذكرون له مكاشفات وكرامات وكل ذلك خرافات من خرافات العوام وأهل الهذيان كما يعتقدون ذلك في غيره من المجانين والمولهين . ولما مات الشيخ يوسف القميني خرج في جنازته خلق كثير من العوام وغيرهم ، وكانت جنازته حافلة بهم ، وحمل على أعناق الرجال إلى سفح قاسيون ، وبين يديه غوغاء وغوش كثير وتهليل وأمور لا تجوز من فعل العوام ، حتى جاءوا به إلى تربة المولهين بقاسيون فدفنوه بها ، وقد اعتنى بعض العوام بقبره ، فعمل عليه حجارة منقوشة ، وعمل على قبره سقفا مقرنصا بالدهان وأنواعه ، وعمل عليه مقصورة وأبوابا ، وغالى فيه مغالاة زائدة ، ومكث هو وجماعة مجاورون عند قبره مدة في قراءة وتهليل ، ويطبخ لهم الطبيخ فيأكلون ويشربون هناك . والمقصود أن الشيخ إبراهيم الجيعانة لما مات الشيخ يوسف القميني جاء من الشاغور إلى باب الصغير في جماعة من أتباعه ، وهم في صراخ وضجة وغوش كثير ، وهم يقولون : أذن لنا في دخول البلد ، أذن لنا في دخول البلد . يكررون ذلك ، فقيل له في ذلك ، فقال : لي عشرون سنة ما دخلت داخل سور دمشق; لأني كنت كلما أتيت بابا من أبوابها أجد هذا السبع رابضا بالباب ، فلا أستطيع الدخول خوفا منه ، فلما مات أذن لنا في الدخول . وهذا كله ترويج على الطغام والعوام من الهمج الرعاع ، الذين هم أتباع كل ناعق ، وقيل : إن الشيخ يوسف كان يرسل إلى الجيعانة مما يأتيه من الفتوح . والله سبحانه أعلم بأحوال عباده ، وإليه المنقلب والمآب ، وعليه الحساب .
وقد ذكرنا أنه منهم : استشهد في وقعة حمص جماعة من الأمراء
الأمير عز الدين أزدمر السلحدار
عن نحو من ستين سنة ، وكان من خيار الأمراء ، وله همة عالية ينبغي أن ينال بها مكانا عاليا في الجنة .
قاضي القضاة بن رزين بن موسى العامري الحموي الشافعي تقي الدين أبو عبد الله محمد بن الحسين
ولد سنة ثلاث وستمائة ، وقد سمع الحديث ، وانتفع بالشيخ تقي الدين بن الصلاح ، وأم بدار الحديث مدة ، ودرس بالشامية ، وولي وكالة بيت المال بدمشق ، ثم سار إلى مصر فدرس بها بعدة مدارس ، وولي الحكم بها ، وكان مشكورا ، توفي ليلة الأحد ثالث رجب منها ، ودفن بالمقطم .
وفي يوم السبت الرابع والعشرين من ذي القعدة توفي :
الزاهر محيي الدين داود بن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن الناصر ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شاذي بن صاحب حمص ، ودفن بتربتهم بقاسيون . الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك
وفي ذي القعدة توفي :
الشيخ جمال الدين الإسكندري
الحاسب بدمشق ، وكان له مكتب تحت منارة فيروز ، وقد انتفع به خلق كثير ، وكان شيخ الحساب في وقته ، رحمه الله .
محمد بن الإمام أبي علي الحسين بن عتيق بن عبد الله بن رشيق الربعي المالكي المصري الشيخ علم الدين أبو الحسن
ودفن بالقرافة ، وكانت له جنازة حافلة ، وقد كان فقيها مفتيا ، سمع الحديث ، وبلغ خمسا وثمانين سنة .
وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذي الحجة توفي :
المسلم بن محمد بن المسلم بن مكي بن خلف بن علان القيسي الدمشقي الصدر الكبير شمس الدين أبو الغنائم
مولده سنة أربع وتسعين ، وكان من الرؤساء الكبار وأهل البيوتات ، وقد ولي نظر الدواوين بدمشق وغير ذلك ، ثم ترك ذلك كله ، وأقبل على العبادة وكتابة الحديث ، وكان يكتب سريعا; يكتب في اليوم الواحد ثلاث كراريس ، وقد أسمع " مسند الإمام أحمد " ثلاث مرات ، وحدث " بصحيح مسلم " " وجامع الترمذي " وغير ذلك ، وسمع منه البرزالي والمزي وابن تيمية ودفن من يومه بسفح قاسيون عن ست وثمانين سنة ، رحمهم الله جميعا .
الشيخ صفي الدين بن محمد التميمي الحنفي أبو القاسم بن محمد بن عثمان
شيخ الحنفية ببصرى ، ومدرس الأمينية بها مدة سنين كثيرة ، كان بارعا فاضلا عالما عابدا منقطعا عن الناس ، وهو والد قاضي القضاة صدر الدين علي ، وقد عمر دهرا طويلا ، فإنه ولد في سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، وتوفي ليلة نصف شعبان من هذه السنة عن سبع وتسعين سنة ، رحمه الله تعالى .