الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثم دخلت سنة ثمان وثمانين وستمائة

            فيها كان فتح مدينة طرابلس  ، وذلك أن السلطان قلاوون قدم بالجيوش المنصورة المصرية في صحبته إلى دمشق فدخلها في الثالث عشر من صفر ، ثم صار بهم وبجيش دمشق وصحبته خلق كثير من المطوعة; منهم القاضي نجم الدين الحنبلي قاضي الحنابلة ، وخلق من المقادسة وغيرهم ، فنازل طرابلس يوم الجمعة مستهل ربيع الأول ، وحاصرها بالمجانيق حصارا شديدا ، وضيقوا على أهلها تضييقا عظيما ، ونصب عليها تسعة عشر منجنيقا ، فلما كان يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر فتحت طرابلس في الساعة الرابعة من النهار عنوة ، وشمل القتل والأسر جميع من فيها ، وغرق كثير من أهل الميناء ونهبت الأموال ، وسبيت النساء والأطفال ، وأخذت الذخائر والحواصل ، وقد كان لها في أيدي الفرنج من سنة ثلاث وخمسمائة إلى هذا التاريخ ، كان الملك صنجيل الفرنج حاصرها سبع سنين حتى ظفر بها كما ذكرنا ، وقد كانت قبل ذلك في أيدي المسلمين من زمان معاوية ، فقد فتحها سفيان بن مجيب لمعاوية ، فأسكنها معاوية اليهود ، ثم كان عبد الملك بن مروان جدد عمارتها ، وحصنها وأسكنها المسلمين ، وصارت آمنة عامرة مطمئنة ، وبها ثمار الشام ومصر ، فإن بها الجوز والموز والثلج والقصب ، والمياه جارية فيها تصعد إلى أمكنة عالية ، وقد كانت قبل ذلك ثلاث مدن متقاربة ، ثم صارت بلدا واحدا ، ثم حولت من موضعها كما سيأتي الآن . ولما وصلت البشارة إلى دمشق دقت البشائر ، وزينت البلاد ، وفرح الناس فرحا شديدا ، ولله الحمد والمنة . وأنشأ التاج ابن الأثير كتابا بالبشارة بذلك إلى صاحب اليمن يقول فيه: (وكانت الخلفاء والملوك في ذلك الوقت ما فيهم إلا من هو مشغول بنفسه، مكب على مجلس أنسه، يرى السلامة غنيمة، وإذا عن له وصف الحرب... لم يسأل إلا عن طرق الهزيمة، قد بلغ أمله من الرتبة، وقنع بالسكة والخطبة، أموال تنهب، وممالك تذهب، لا يبالون بما سلبوا، وهم كما قيل:


            إن قاتلوا قتلوا، أو طاردوا طردوا أو حاربوا حربوا أو غالبوا غلبوا

            إلى أن أوجد الله من نصر دينه، وأذل الكفر وشياطينه).

            وذكر بعضهم: (أن معنى «طرابلس» باللسان الرومي: ثلاثة حصون مجتمعة). ثم أمر السلطان الملك المنصور قلاوون أن تهدم البلد بما فيها من العمائر والدور والأسوار الحصينة التي كانت عليها ، وأن يبنى على ميل منها بلدة غيرها أمكن منها وأحسن ، ففعل ذلك ، فهي هذه البلدة التي يقال لها : طرابلس التي جعلها الله تعالى دار أمان وإيمان .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية