الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            أعمال الولايات

            استهلت هذه السنة والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس العباسي ، وسلطان البلاد الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون ، ونائبه بمصر وأعمالها بدر الدين بيدرا ، ووزيره ابن السلعوس الصاحب شمس الدين ، ونائبه بالشام حسام الدين لاجين السلحدار المنصوري ، وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها ، وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول ، وصاحب مكة نجم الدين أبو نمي محمد بن إدريس بن علي بن قتادة الحسني ، وصاحب المدينة عز الدين جماز بن شيحة الحسيني ، وصاحب الروم غياث الدين كيخسرو بن ركن الدين قليج أرسلان السلجوقي ، وصاحب حماة الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين محمد ، وسلطان بلاد العراق وخراسان وتلك النواحي أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولى بن جنكزخان . الإفراج عن الأمير زين الدين كتبغا

            ولما كان يوم الجمعة قبض على شمس الدين سنقر الأشقر وسيف الدين جرمك الناصري ، وأفرج عن الأمير زين الدين كتبغا ، وكان قد قبض عليه مع طرنطاي ، ورد عليه إقطاعه ، وأعيد التقي توبة إلى وزارة دمشق مرة أخرى . تدريس الناصرية للقاضي الشافعي

            وفيها أثبت ابن الخويي محضرا يتضمن أن يكون تدريس الناصرية للقاضي الشافعي ، وانتزعها من زين الدين الفارقي . وفي رابع رمضان أفرج عن حسام الدين لاجين من قلعة صفد ، ومعه جماعة أمراء ، ورد عليهم إقطاعاتهم إليهم ، وأحسن إليهم وأكرمهم .

            وفي أوائل رمضان طلب القاضي بدر الدين بن جماعة من القدس الشريف - وهو حاكم به وخطيب فيه - على البريد إلى الديار المصرية ، فدخلها في رابع عشرة ، وأفطر ليلتئذ عند الوزير ابن السلعوس ، وأكرمه جدا واحترمه وكانت وكانت ليلة الجمعة ، فصرح الوزير بعزل تقي الدين ابن بنت الأعز وتولية ابن جماعة بالديار المصرية قضاء القضاة ، وجاء القضاة إلى تهنئته ، وأصبح الشهود في خدمته ، ومع القضاء خطابة الجامع الأزهر ، وتدريس الصالحية ، وركب في الخلعة والطرحة ، ورسم لبقية القضاة أن يستمروا بلبس الطرحات ، وذهب فخطب بالجامع الأزهر ، وانتقل إلى المدرسة الصالحية ، ودرس بها في الجمعة الأخرى ، وكان درسا حافلا ، ولما كان يوم الجمعة رسم السلطان للحاكم بأمر الله أن يخطب هو بنفسه الناس يومئذ ، وأن يذكر في خطبته أنه قد ولى السلطنة للأشرف خليل بن المنصور ، فلبس خلعة سوداء ، وخطب الناس بالخطبة التي كان خطب بها في الدولة الظاهرية ، وكانت من إنشاء الشيخ شرف الدين المقدسي في سنة ستين وستمائة ، فيكون بين الخطبتين أزيد من ثلاثين سنة ، وذلك بجامع قلعة الجبل ، ثم استمر ابن جماعة يخطب بالقلعة عند السلطان ، وكان يستنيب في الجامع الأزهر .

            وأما ابن بنت الأعز فناله من الوزير إخراق ومصادرة وإهانة بالغة ، ولم يترك له من مناصبه شيئا ، وكان بيده سبعة عشر منصبا; منها القضاء ، والخطابة ، ونظر الأحباس ، ومشيخة الشيوخ ، ونظر الخزانة ، وتداريس كبار ، وصادره بنحو من أربعين ألفا ، غير مراكبه وأشياء كثيرة ، ولم يظهر منه استكانة له ولا خضوع ، ثم عاد فرضي عنه ، وولاه تدريس الشافعي .

            وعملت ختمة عند قبر المنصور في ليلة الاثنين رابع ذي القعدة ، وحضرها القضاة والأمراء ، ونزل السلطان ومعه الخليفة إليهم وقت السحر ، وخطب الخليفة بعد الختمة خطبة بليغة ، حرض الناس فيها على غزو بلاد العراق ، واستنقاذها من أيدي التتر ، وقد كان الخليفة قبل ذلك محتجبا ، فرآه الناس جهرة ، وركب في الأسواق بعد ذلك .

            وعمل أهل دمشق ختمة عظيمة بالميدان الأخضر إلى جانب القصر الأبلق ، فقرئت ختمات كثيرة ، ثم خطب الناس بعدها الشيخ عز الدين الفاروثي ، ثم ابن البزوري ، ثم تكلم من له عادة بالكلام ، وجاءت البريدية بالتهيؤ لغزو العراق ، ونودي في الناس بذلك ، وعملت سلاسل عظام بسبب الجسورة على دجلة بغداد ، وحصلت الأجور على المقصود ، وإن لم يقع المقصود ، وحصل لبعض الناس أذى بسبب ذلك .

            وفيها نادى نائب الشام الشجاعي أن لا تلبس امرأة عمامة كبيرة ، وخرب الأبنية التي على نهري بانياس والجداول كلها والمسالح والسقايات التي على الأنهار كلها ، وأخرب جسر الزلابية وما عليه من الدكاكين ، ونادى أن لا يمشي أحد بعد العشاء الآخرة ، ثم أطلق لهم هذه فقط ، وأخرب الحمام الذي كان بناه الملك السعيد ظاهر باب النصر ، ولم يكن بدمشق أحسن منه ، ووسع الميدان الأخضر من ناحية الشمال مقدار سدسه ، ولم يترك بينه وبين النهر إلا مقدارا يسيرا ، وعمل هو بنفسه والأمراء في حيطانه .

            وفيها حبس الأمير جمال الدين آقوش الأفرم المنصوري وأمير آخر معه في القلعة .

            وفيها حمل الأمير علم الدين الدواداري إلى الديار المصرية مقيدا .

            وفي هذه السنة انتهت عمارة قلعة حلب بعد الخراب الذي أصابها من هولاكو وأصحابه عام ثمان وخمسين . وفي شوال منها شرع في عمارة قلعة دمشق وبناء الدور السلطانية والطارمة والقبة الزرقاء ، حسب ما رسم به السلطان الأشرف خليل بن قلاوون لنائبه علم الدين سنجر الشجاعي . وفيها في رمضان أعيد إلى نيابة القلعة الأمير أرجواش ، وأعطي إقطاعات سنية . وفيها أرسل الشيخ الرجيحي من ذرية الشيخ يونس مضيقا عليه محصورا إلى القاهرة . وفيها درس عز الدين الفاروثي بالمدرسة النجيبية عوضا عن كمال الدين بن خلكان ، وفي ذلك اليوم درس نجم الدين مكي بالرواحية عوضا عن ناصر الدين بن المقدسي ، وفيه درس كمال الدين الطبيب بالمدرسة الدخوارية الطبية . وفي هذا الشهر درس الشيخ جلال الدين الخبازي بالخاتونية البرانية  ، وجمال الدين بن الباجربقي بالقليجة ، وبرهان الدين الإسكندري بالقوصية التي بالجامع ، والشيخ نجم الدين الدمشقي بالشريفية عند حارة الغرباء . وفيها أعيدت الناصرية إلى الفارقي . وفيه درس بالأمينية القاضي نجم الدين بن صصرى بعد ابن الزملكاني ، وأخذت منه العادلية الصغيرة لكمال الدين بن الزملكاني .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية