الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وستمائة

            وفي رابع وعشرين المحرم وقع حريق عظيم بقلعة الجبل ببعض الخزائن ، أتلف شيئا كثيرا من الذخائر والنفائس والكتب . وفي التاسع والعشرين من ربيع الأول خطب الخليفة الحاكم ، وحث في خطبته على الجهاد والنفير ، وصلى بهم الجمعة ، وجهر بالبسملة . وفي ليلة السبت ثالث عشر صفر جيء بهذا الجرز الأحمر الذي بباب البرادة من عكا ، فوضع في مكانه . وفي ربيع الأول كمل بناء الطارمة وما عندها من الآدر والقبة الزرقاء ، وجاءت في غاية الحسن والكمال والارتفاع . وفي يوم الاثنين ثاني جمادى الأولى ذكر الدرس بالظاهرية الشيخ صفي الدين محمد بن عبد الرحيم الأرموي ، عوضا عن علاء الدين ابن بنت الأعز ، وفي هذا اليوم درس بالدولعية كمال الدين بن الزكي . وفي يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة درس بالنجيبية الشيخ ضياء الدين عبد العزيز الطوسي ، بمقتضى نزول الفاروثي له عنها . وفيها تولى خطابة دمشق الشيخ عز الدين أحمد الفاروثي الواسطي  بعد وفاة زين الدين بن المرحل ، وخطب واستسقى بالناس فلم يسقوا ، ثم خطب مرة ثانية بعد ذلك بأيام عند مسجد القدم فلم يسقوا ، ثم ابتهل الناس من غير دعائه واستسقائه فسقوا ، ثم عزل الفاروثي بعد أيام بالخطيب موفق الدين أبي المعالي محمد بن محمد بن محمد بن عبد المنعم المهراني الحموي ، كان خطيب حماة ثم انتقل إلى دمشق في هذه السنة فقام وخطب ، وتألم الفاروثي لذلك ، ودخل على السلطان ، واعتقد أن الوزير عزله من غير علمه ، فإذا هو قد شعر بذلك ، واعتذر بأنه إنما عزله لضعفه ، فذكر له أنه يصلي ليلة النصف مائة ركعة بمائة قل هو الله أحد فلم يقبلوا ذلك منه ، واستمروا بالحموي . وهذه دناءة بشعة وقلة عقل وعدم إخلاص من الفاروثي ، وأصاب السلطان في عزله . وفي هذا اليوم قبض السلطان على الأمير سنقر الأشقر وغيره ، فهرب هو والأمير حسام الدين لاجين السلحدار ، فنادت عليه المنادية بدمشق : من أحضره فله ألف دينار ، ومن أخفاه شنق . وركب السلطان ومماليكه في طلبه ، وصلى الخطيب بالناس في الميدان الأخضر ، وعلى الناس كآبة بسبب تفرق الكلمة واضطراب الجيش ، واختبط الناس ، فلما كان سادس شوال أمسكت العرب سنقر الأشقر ، فردوه على السلطان ، فأرسله مقيدا إلى مصر . وفي هذا اليوم ولى السلطان نيابة دمشق لعز الدين أيبك الحموي ، عوضا عن الشجاعي ، وقدم الشجاعي من الروم في هذا اليوم الثاني من عزله فتلقاه الفاروثي وقال : قد عزلنا من الخطابة . فقال : ونحن من النيابة . فقال الفاروثي : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون [ الأعراف : 129 ] فلما بلغ ابن السلعوس تغضب عليه ، وكان قد عين له القيمرية فترك ذلك ، وسافر السلطان عاشر شوال إلى مصر ، فدخلها في أبهة الملك ، وفي يوم دخوله أقطع قراسنقر مائة فارس بمصر عوضا عن نيابة حلب . وفي هذه السنة اشترى الأمير سيف الدين طغاي الأشرفي قيسارية القطن المعروفة بإنشاء الملك المعظم بن العادل من بيت المال ، بمرسوم من السلطان ، وكان حظيا عنده ، ونقل سوق الحريريين تلك المدة ، وكان السلطان قد أفرج عن علم الدين الدواداري بعد رجوعه من قلعة الروم ، واستحضره إلى دمشق ، وخلع عليه ، واستصحبه معه إلى القاهرة ، وأقطعه مائة فارس ، وولاه مشد الدواوين مكرها . وفي ذي القعدة استحضر السلطان سنقر الأشقر وطقصوا ، فعاقبهما فاعترفا بأنهما أرادا قتله ، فسألهما عن لاجين فقالا : لم يكن معنا ولا علم له بهذا . فخنقهما ، وأطلقه بعدما جعل الوتر في حلقه ، وكان قد بقي له مدة لا بد أن يبلغها ، وقد ملك بعد ذلك كما سنذكره إن شاء الله تعالى . وفي ذي الحجة عقد الشيخ برهان الدين بن الشيخ تاج الدين عقده على بنت قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي بالباذرائية ، وكان حافلا . وفيها دخل الأمير سنقر الأعسر على بنت الوزير شمس الدين بن السلعوس على صداق ألف دينار ، وعجل لها خمسمائة . وفيها قفز جماعة من التتر نحو من ثلاثمائة إلى الديار المصرية ، فأكرموا .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية