ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وستمائة
وفي رابع وعشرين المحرم وقع حريق عظيم بقلعة الجبل ببعض الخزائن ، أتلف شيئا كثيرا من الذخائر والنفائس والكتب . وفي التاسع والعشرين من ربيع الأول خطب الخليفة الحاكم ، وحث في خطبته على الجهاد والنفير ، وصلى بهم الجمعة ، وجهر بالبسملة . وفي ليلة السبت ثالث عشر صفر جيء بهذا الجرز الأحمر الذي بباب البرادة من عكا ، فوضع في مكانه . وفي ربيع الأول كمل بناء الطارمة وما عندها من الآدر والقبة الزرقاء ، وجاءت في غاية الحسن والكمال والارتفاع . وفي يوم الاثنين ثاني جمادى الأولى ذكر الدرس بالظاهرية الشيخ صفي الدين محمد بن عبد الرحيم الأرموي ، عوضا عن علاء الدين ابن بنت الأعز ، وفي هذا اليوم درس بالدولعية كمال الدين بن الزكي . وفي يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة درس بالنجيبية الشيخ ضياء الدين عبد العزيز الطوسي ، بمقتضى نزول الفاروثي له عنها . وفيها بعد وفاة زين الدين بن المرحل ، وخطب واستسقى بالناس فلم يسقوا ، ثم خطب مرة ثانية بعد ذلك بأيام عند مسجد القدم فلم يسقوا ، ثم ابتهل الناس من غير دعائه واستسقائه فسقوا ، ثم عزل الفاروثي بعد أيام بالخطيب موفق الدين أبي المعالي محمد بن محمد بن محمد بن عبد المنعم المهراني الحموي ، كان خطيب حماة ثم انتقل إلى دمشق في هذه السنة فقام وخطب ، وتألم الفاروثي لذلك ، ودخل على السلطان ، واعتقد أن الوزير عزله من غير علمه ، فإذا هو قد شعر بذلك ، واعتذر بأنه إنما عزله لضعفه ، فذكر له أنه يصلي ليلة النصف مائة ركعة بمائة تولى خطابة دمشق الشيخ عز الدين أحمد الفاروثي الواسطي قل هو الله أحد فلم يقبلوا ذلك منه ، واستمروا بالحموي . وهذه دناءة بشعة وقلة عقل وعدم إخلاص من الفاروثي ، وأصاب السلطان في عزله . وفي هذا اليوم قبض السلطان على الأمير سنقر الأشقر وغيره ، فهرب هو والأمير حسام الدين لاجين السلحدار ، فنادت عليه المنادية بدمشق : من أحضره فله ألف دينار ، ومن أخفاه شنق . وركب السلطان ومماليكه في طلبه ، وصلى الخطيب بالناس في الميدان الأخضر ، وعلى الناس كآبة بسبب تفرق الكلمة واضطراب الجيش ، واختبط الناس ، فلما كان سادس شوال أمسكت العرب سنقر الأشقر ، فردوه على السلطان ، فأرسله مقيدا إلى مصر . وفي هذا اليوم ولى السلطان نيابة دمشق لعز الدين أيبك الحموي ، عوضا عن الشجاعي ، وقدم الشجاعي من الروم في هذا اليوم الثاني من عزله فتلقاه الفاروثي وقال : قد عزلنا من الخطابة . فقال : ونحن من النيابة . فقال الفاروثي : عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون [ الأعراف : 129 ] فلما بلغ ابن السلعوس تغضب عليه ، وكان قد عين له القيمرية فترك ذلك ، وسافر السلطان عاشر شوال إلى مصر ، فدخلها في أبهة الملك ، وفي يوم دخوله أقطع قراسنقر مائة فارس بمصر عوضا عن نيابة حلب . وفي هذه السنة اشترى الأمير سيف الدين طغاي الأشرفي قيسارية القطن المعروفة بإنشاء الملك المعظم بن العادل من بيت المال ، بمرسوم من السلطان ، وكان حظيا عنده ، ونقل سوق الحريريين تلك المدة ، وكان السلطان قد أفرج عن علم الدين الدواداري بعد رجوعه من قلعة الروم ، واستحضره إلى دمشق ، وخلع عليه ، واستصحبه معه إلى القاهرة ، وأقطعه مائة فارس ، وولاه مشد الدواوين مكرها . وفي ذي القعدة استحضر السلطان سنقر الأشقر وطقصوا ، فعاقبهما فاعترفا بأنهما أرادا قتله ، فسألهما عن لاجين فقالا : لم يكن معنا ولا علم له بهذا . فخنقهما ، وأطلقه بعدما جعل الوتر في حلقه ، وكان قد بقي له مدة لا بد أن يبلغها ، وقد ملك بعد ذلك كما سنذكره إن شاء الله تعالى . وفي ذي الحجة عقد الشيخ برهان الدين بن الشيخ تاج الدين عقده على بنت قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي بالباذرائية ، وكان حافلا . وفيها دخل الأمير سنقر الأعسر على بنت الوزير شمس الدين بن السلعوس على صداق ألف دينار ، وعجل لها خمسمائة . وفيها قفز جماعة من التتر نحو من ثلاثمائة إلى الديار المصرية ، فأكرموا .