الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            كائنة عجيبة غريبة جدا  

            ثم لما كان يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة ، وقع اختلاف بين جيش دمشق وبين الأمير سيف الدين ألجيبغا نائب طرابلس ، الذي جاء فأمسك نائب دمشق الأمير سيف الدين أرغون شاه الناصري ليلة الخميس ، وقتله ليلة الجمعة كما تقدم ، وأقام بالميدان الأخضر يستخلص أمواله ، وحواصله ، ويجمعها عنده ، فأنكر عليه الأمراء الكبار ، وأمروه أن يحمل الأموال إلى قلعة السلطان ، فلم يقبل منهم ، فاتهموه في أمره ، وشكوا في الكتاب الذي على يده من الأمر بمسكه وقتله ، وركبوا ملبسين تحت القلعة وأبواب الميادين ، وركب هو في أصحابه وهم في دون المائة ، وقائل يقول : هم ما بين السبعين إلى الثمانين والتسعين . جعلوا يحملون على الجيش حمل المستقبلين ، إنما يدافعهم مدافعة المتبرمين ، وليس معهم مرسوم بقتلهم ولا قتالهم; فلهذا ولى أكثرهم منهزمين ، فخرج جماعة من الجيش حتى بعض الأمراء المقدمين ، وهو الأمير الكبير سيف الدين ألجيبغا العادلي ، فقطعت يده اليمنى ، وقد قارب التسعين ، وقتل آخرون من أجناد الحلقة والمستخدمين ، ثم انفصل الحال على أن أخذ ألجيبغا المظفري من خيول أرغون شاه المرتبطة في إسطبله ما أراد ، ثم انصرف من ناحية المزة صاعدا على عقبتها ، ومعه الأموال التي جمعها من حواصل أرغون شاه ، واستمر ذاهبا ، ولم يتبعه أحد من الجيش ، وصحبته الأمير فخر الدين إياس الذي كان حاجبا ، وناب في حلب في العام الماضي ، فذهبا بمن معهما إلى طرابلس ، وكتب أمراء الشام إلى السلطان يعلمونه بصورة ما وقع ، فجاء البريد بأنه ليس عند السلطان علم بما وقع بالكلية ، وأن الكتاب الذي جاء على يديه مفتعل ، وجاء الأمر لأربعة آلاف من جيش دمشق أن يسيروا وراءه ليمسكوه ، ثم أضيف نائب صفد مقدما على الجميع ، فخرجوا في العشر الأول من ربيع الآخر .

            وفي يوم الأربعاء سادس ربيع الآخر خرجت العساكر في طلب سيف الدين ألجيبغا الذي فعل الأفاعيل ، وخرج من دمشق بالسالمي بعد ما قتل نائب سلطنتها وجماعة من أهلها ، وجرح خلقا من أجنادها ، وقطعت يد الأمير سيف الدين ألجيبغا العادلي في المعركة ، وهو أحد الأمراء الألوف المقدمين .

            ولما كانت ليلة الخميس سابعه نودي بالبلد على من يقربها من الأجناد أن لا يتأخر أحد عن الخروج بالغد ، فأصبحوا في سرعة عظيمة ، واستنيب في البلد نيابة عن النائب الراتب الأمير بدر الدين بن الخطير ، فحكم بدار السعادة على عادة النواب .

            وفي ليلة السبت بين العشاءين سادس عشره دخل الجيش الذين خرجوا في طلب ألجيبغا المظفري ، وهو معهم أسير ذليل حقير ، وكذلك الفخر إياس الحاجب مأسور معهم ، فأودعا في القلعة مهانين من جسر باب النصر الذي تجاه دار السعادة ، وذلك بحضور الأمير بدر الدين الخطير في دار السعادة وهو نائب الغيبة ، ففرح الناس بذلك فرحا شديدا ، ولله الحمد والمنة .

            فلما كان يوم الاثنين الثامن عشر منه خرجا من القلعة إلى سوق الخيل ، فوسطا بحضرة الجيش ، وعلقت جثتهما على الخشب ليراهما الناس ، فمكثا أياما ثم أنزلا فدفنا بمقابر المسلمين .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية