الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            استهلت سنة خمس وخمسين وسبعمائة وسلطان الديار المصرية ، والبلاد الشامية ، وما يتبع ذلك ، والحرمين الشريفين ، وما والاهما من بلاد الحجاز وغيرها - الملك الصالح صلاح الدين ابن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي ، وهو ابن بنت تنكز نائب الشام - وكان في الدولة الناصرية - ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين قبلاي الناصري ، ووزيره القاضي موفق الدين ، وقضاة مصر هم المذكورون في العام الماضي ، ومنهم قاضي القضاة عز الدين بن جماعة الشافعي ، وقد جاور في هذه السنة في الحجاز الشريف ، والقاضي تاج الدين المناوي يسد المنصب عنه ، وكاتب السر القاضي علاء الدين بن فضل الله العدوي ، ومدبروا المملكة الأمراء الثلاثة; سيف الدين شيخون ، وطاز ، وصرغتمش الناصريون ، والدوادار الأمير الكبير عز الدين طقطاي الناصري .

            ودخلت هذه السنة والأمير سيف الدين شيخون في طلب الأحدب من مدة شهر أو قريب . ونائب دمشق الأمير علاء الدين أمير علي المارداني ، وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها ، وناظر الدواوين الصاحب شمس الدين موسى بن التاج إسحاق ، وكاتب السر القاضي ناصر الدين بن الشرف يعقوب ، وخطيب البلد جمال الدين محمود بن جملة ، ومحتسبه الشيخ علاء الدين الأنصاري ، قريب الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد ، وهو مدرس الأمينية مكانه أيضا .

            قدوم الأمير علاء الدين مغلطاي الذي كان مسجونا بالإسكندرية وفي شهر ربيع الآخر قدم الأمير علاء الدين مغلطاي الذي كان مسجونا بالإسكندرية ثم أفرج عنه ، وقد كان قبل ذلك هو الدولة ، وأمر بالمسير إلى الشام ليكون عند أيتمش نائب طرابلس ، وأما منجك الذي كان وزيره بالديار المصرية ، وكان معتقلا بالإسكندرية مع مغلطاي - فإنه صار إلى صفد مقيما بها بطالا ، كما أن مغلطاي أمر بالمقام بطرابلس بطالا أيضا إلى حين يحكم الله عز وجل . وورد الكتاب بإلزام أهل الذمة بالشروط العمرية وورد الكتاب بإلزام أهل الذمة بالشروط العمرية   . وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب الفرد قرئ بجامع دمشق بالمقصورة بحضرة نائب السلطنة ، وأمراء الأعراب ، وكبار الأمراء ، وأهل الحل والعقد والعامة ، كتاب السلطان بإلزام أهل الذمة بالشروط العمرية وزيادات أخر; منها أن لا يستخدموا في شيء من الدواوين السلطانية والأمراء ولا في شيء من الأشياء ، وأن لا تزيد عمامة أحدهم على عشرة أذرع ، ولا يركبوا الخيل ولا البغال ، ولكن الحمير بالأكف عرضا ، وأن لا يدخلوا إلا بالعلامات من جرس ، أو بخاتم نحاس أصفر أو رصاص ، ولا تدخل نساؤهم مع المسلمات الحمامات ، وليكن لهن حمامات تختص بهن ، وأن يكون إزار النصرانية من كتان أزرق ، واليهودية من كتان أصفر ، وأن يكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض ، وأن يحمل حكم مواريثهم على الأحكام الشرعية .

            واحترقت باشورة بباب الجابية في ليلة الأحد العشرين من جمادى الآخرة ، وعدم المسلمون تلك الأطعمات والحواصل النافعة من الباب الجواني إلى الباب البراني .

            وفي مستهل شهر رمضان عمل الشيخ الإمام العالم البارع شمس الدين بن النقاش المصري الشافعي - ورد دمشق - بالجامع الأموي تجاه محراب الصحابة - ميعادا للوعظ ، واجتمع عنده خلق من الأعيان والفضلاء والعامة ، وشكروا كلامه وطلاقه عبارته ، من غير تلعثم ولا تخليط ولا توقف ، وطال ذلك إلى قريب العصر .

            وفي صبيحة يوم الأحد ثالثه صلي بجامع دمشق بالصحن تحت النسر على القاضي جمال الدين حسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي ، ونائبه ، وحضر نائب السلطنة الأمير علاء الدين علي ، وقضاة البلد والأعيان والدولة وكثير من العامة ، وكانت جنازته محشودة ، وحضر والده قاضي القضاة وهو يهادى بين رجلين ، يظهر عليه الحزن والكآبة ، فصلى عليه إماما ، وتأسف الناس عليه; لسماحة أخلاقه وانجماعه على نفسه ، لا يتعدى شره إلى غيره ، وكان يحكم جيدا ، نظيف العرض في ذلك ، وكان قد درس في عدة مدارس ، منها الشامية البرانية والعذراوية ، وأفتى ، وتصدر ، وكانت لديه فضيلة جيدة بالنحو والفقه والفرائض وغير ذلك ، ودفن بسفح قاسيون في تربة معروفة لهم ، رحمهم الله .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية