استهلت سنة ستين وسبعمائة وسلطان الديار المصرية ، والشامية ، وما يتبع ذلك من الممالك الإسلامية - الملك الناصر حسن ابن السلطان الملك الناصر محمد ابن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي ، وقضاته بمصر هم المذكورون في السنة التي قبلها ، ونائبه بدمشق الأمير علاء الدين أمير علي المارداني ، وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها غير المالكي ، فإنه عزل جمال الدين المسلاتي بالقاضي شرف الدين العراقي ، وحاجب الحجاب الأمير شهاب الدين بن صبح ، وخطيب البلد ، وكاتب سرها المذكوران . وفي صبيحة يوم الأربعاء ثالث المحرم دخل الأمير علاء الدين أمير علي نائب السلطنة إلى دمشق من نيابة حلب ، ففرح الناس به ، وتلقوه إلى أثناء الطريق ، وحملت له العامة الشموع في طرقات البلد ، ولبس الأمير شهاب الدين بن صبح خلعة الحجابة الكبيرة بدمشق عوضا عن نيابة صفد .
، وورد كتب الحجاج ووردت كتب الحجاج يوم السبت الثالث عشر منه مؤرخة سابع عشرين ذي الحجة من العلا - وذكروا أن صاحب المدينة النبوية عدا عليه فداويان عند لبسه خلعة السلطان ، وقت دخول المحمل إلى المدينة الشريفة ، فقتلاه ، فعدت عبيده على الحجيج الذين هم داخل المدينة ، فنهبوا من أموالهم ، وقتلوا بعضهم وخرجوا ، وكانوا قد أغلقوا أبواب المدينة دون الجيش فأحرق بعضها ، ودخل الجيش السلطاني ، فاستنقذوا الناس من أيدي الظالمين . ودخل المحمل السلطاني إلى دمشق يوم السبت العشرين من هذا الشهر على عادته ، وبين يدي المحمل الفداويان اللذان قتلا صاحب المدينة ، وقد ذكرت عنه أمور شنيعة بشعة; من غلوه في الرفض المفرط ، ومن قوله إنه لو تمكن لأخرج الشيخين من الحجرة ، وغير ذلك من عبارات مؤدية لعدم إيمانه ، إن صح عنه ذلك ، والله أعلم .
وفي صبيحة يوم الثلاثاء سادس صفر مسك الأمير شهاب الدين بن صبح حاجب الحجاب ، وولداه الأميران ، وحبسوا في القلعة المنصورة ، ثم سافر به الأمير ناصر الدين بن جاربك بعد أيام إلى الديار المصرية ، وفي رجل ابن صبح قيد ، وذكر أنه فك من رجله في أثناء الطريق . وفي يوم الاثنين ثالث عشر صفر قدم نائب طرابلس الأمير سيف الدين عبد الغني ، فأدخل القلعة ، ثم سافر به الأمير علاء الدين بن أبي بكر إلى الديار المصرية محتفظا به مضيقا عليه ، وجاء الخبر بأن منجك سافر من صفد على البريد مطلوبا إلى السلطان ، فلما كان بينه وبين غزة بريد واحد دخل بمن معه من خدمه التيه فارا من السلطان ، وحين وصل الخبر إلى نائب غزة اجتهد في طلبه فأعجزه ، وتفارط الأمر . تقليد الأمير سيف الدين بيدمر نيابة حلب وجاء تقليد الأمير سيف الدين بيدمر من آخر النهار يوم الاثنين حادي عشر من شعبان سنة ستين وسبعمائة لنيابة حلب المحروسة .
وفي آخر نهار الثلاثاء بعد العصر ، ورد البريد البشيري ، وعلى يده مرسوم شريف بنفي القاضي بهاء الدين أبي البقاء ، وأولاده ، وأهله إلى طرابلس بلا وظيفة ، فشق ذلك عليه وعلى أهليه ومن يليه ، وتغمم له كثير من الناس ، وسافر ليلة الجمعة ، وقد أذن له في الاستنابة في جهاته ، فاستناب ، ولده الكبير ولي الدين .
واشتهر في شوال أن الأمير سيف الدين منجك الذي كان نائب السلطنة بالشام وهرب ، ولم يطلع له على خبر ، فلما كان في هذا الوقت - ذكر أنه مسك ببلد بحران من معاملة ماردين في زي فقير ، وأنه احتفظ عليه ، وأرسل السلطان فداويه ، وعجب كثير من الناس من ذلك ، ثم لم يظهر لذلك حقيقة ، وكان الذين رأوه ظنوا أنه هو ، فإذا هو فقير من جملة الفقراء ، يشبهه من بعض الوجوه .
واشتهر في ذي القعدة أن الأمير عز الدين فياض بن مهنا ملك العرب خرج عن طاعة السلطان ، وتوجه نحو العراق ، فوردت المراسيم السلطانية لمن بأرض الرحبة من العساكر الدمشقية ، وهم أربعة مقدمين في أربعة آلاف ، وكذلك جيش حلب ، وغيره - بتطلبه ، وإحضاره إلى بين يدي السلطان ، فسعوا في ذلك بكل ما يقدرون عليه ، فعجزوا عن لحاقه ، والدخول وراءه إلى البراري ، وتفارط الحال ، وخلص إلى أرض العراق ، فضاق النطاق ، وتعذر اللحاق .