الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            تنبيه على واقعة غريبة واتفاق عجيب

            نائب السلطنة الأمير سيف الدين بيدمر - فيما بلغنا - في نفسه عتب على أتابك الديار المصرية الأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي مدبر الدولة بها ، وقد توسم وتوهم منه أنه يسعى في صرفه عن الشام  ، وفي نفس نائبنا قوة وصرامة شديدة ، فتنسم منه ببعض الإباء عن طاعة يلبغا مع استمراره على طاعة السلطان ، وأنه إن اتفق عزل من قبل يلبغا أنه لا يسمع ولا يطيع ، فعمل أعمالا ، واتفق في غضون هذا الحال موت نائب القلعة المنصورة بدمشق ، وهو الأمير سيف الدين برتاق الناصري ، فأرسل نائب السلطنة من أصحابه وحاشيته من يتسلم القلعة برمتها ، ودخل هو بنفسه إليها ، وطلب الأمير زين الدين زبالة الذي كان فقيها ثم نائبها ، وهو من أخبر الناس بها وبخطاتها وحواصلها ، فدار معه فيها ، وأراه حصونها ، وبروجها ، ومفاتحها ، وأغلاقها ، ودورها ، وقصورها ، وعددها ، وبركتها ، وما هو معد فيها ولها ، وتعجب الناس من هذا الاتفاق في هذا الحال ، حيث لم يتفق ذلك لأحد من النواب قبله قط ، وفتح الباب الذي هو تجاه دار السعادة ، وجعل نائب السلطنة يدخل منه إلى القلعة ، ويخرج بخدمه ، وحشمه ، وأبهته; ليكشف أمرها ، وينظر في مصالحها - أيده الله .

            ولما كان يوم السبت خامس عشر شعبان ركب في الموكب على العادة ، واستدعى الأمير سيف الدين أسندمر الذي كان نائب الشام ، وهو في منزله كالمعتقل فيه ، لا يركب ، ولا يراه أحد - فأحضره إليه ، وركب معه ، وكذلك الأمراء الذين قدموا من الديار المصرية; طنيرق وهو أحد أمراء الألوف ، وطيدمر الحاجب ، كان ، وأما ابن صبح وعمر شاه فإنهما كانا قد سافرا يوم الجمعة عشية النهار ، والمقصود : أنه سيرهم وجميع الأمراء بسوق الخيل ، ونزل بهم كلهم إلى دار السعادة ، فتعاهدوا ، وتعاقدوا ، واتفقوا على أن يكونوا كلهم كتفا واحدا وعصبة واحدة على مخالفة من أرادهم بسوء ، وأنهم يد على من سواهم ممن أراد عزل أحد منهم أو قتله ، وأن من قاتلهم على ذلك قاتلوه ، وأن السلطان هو ابن أستاذهم الملك المنصور محمد بن حاجي بن الناصر بن المنصور قلاوون ، فطاوعوا كلهم لنائب السلطنة على ما أراد من ذلك ، وحلفوا له ، وخرجوا من عنده على هذا الحلف ، وقام نائب السلطنة على عادته في عظمة هائلة ، وأبهة كثيرة ، والمسئول من الله حسن العاقبة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية