فأشارت إليه أي إلى عيسى عليه السلام أن كلموه . قال شيخ الإسلام : والظاهر أنها بينت حينئذ نذرها وأنها بمعزل من محاورة الإنس حسبما أمرت ففيه دلالة على أن المأمور به بيان نذرها بالإشارة لا بالعبارة ، والجمع بينهما مما لا عهد به (قالوا) منكرين لجوابها ، وفي بعض الآثار أنها لما أشارت إليه أن كلموه قالوا : استخفافها بنا أشد من زناها وحاشاها ثم قالوا : كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال : المهد حجر أمه ، وقال قتادة : المرباة أي المرجحة ، وقيل : سريره . وقيل : المكان الذي يستقر عليه . واستشكلت الآية بأن كل من يكلمه الناس كان في المهد صبيا قبل زمان تكليمه، فلا يكون محلا للتعجب والإنكار . عكرمة
وأجاب عن ذلك بوجهين : الأول: أن كان الإيقاع مضمونا لجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهو هاهنا لقريبه خاصة والدال عليه أن الكلام مسوق للتعجب فيكون المعنى كيف نكلم من كان بالأمس وقريبا منه . من هذا الوقت في المهد وغرضهم من ذلك استمرار حال الصبي به لم يبرح بعد عنه ولو قيل : من هو في المهد لم يكن فيه تلك الوكادة من حيث السابق كالشاهد على ذلك ، ومن على هذا موصولة يراد بها الزمخشري عيسى عليه السلام . الثاني أن يكون (نكلم) حكاية حال ماضية ومن موصوفة ، والمعنى كيف نكلم الموصوفين بأنهم في المهد أي ما كلمناهم إلى الآن حتى نكلم هذا ، وفي العدول عن الماضي إلى الحال إفادة التصوير والاستمرار . وهذا كما في الكشف وجه حسن ملائم .
[ ص: 89 ] وقال : كان زائدة لمجرد التأكيد من غير دلالة على الزمان و (صبيا) حال مؤكدة والعامل فيها الاستقرار ، فقول أبو عبيدة إن كان نصبت هنا الخبر والزائدة لا تنصبه ليس بشيء ، والمعنى كيف نكلم من هو في المهد الآن حال كونه صبيا ، وعلى قول من قال : إن كان الزائدة لا تدل على حدث لكنها تدل على زمان ماض مقيد به ما زيدت فيه ابن الأنباري كالسيرافي لا يندفع الإشكال بالقول بزيادتها .
وقال : الأجود أن تكون من شرطية لا موصولة ولا موصوفة أي من كان في المهد فكيف نكلمه، وهذا كما يقال كيف أعظ من لا يعمل بموعظتي، والماضي بمعنى المستقبل في باب الجزاء فلا إشكال في ذلك ، ولا يخفى بعده
الزجاج