(وأنذرهم) أي : الظالمين على ما هو الظاهر . وقال  أبو حيان   : الضمير لجميع الناس أي خوفهم يوم الحسرة   يوم يتحسر الظالمون على ما فرطوا في جنب الله تعالى . وقيل : الناس قاطبة ، وتحسر المحسنين على قلة إحسانهم إذ قضي الأمر  أي فرغ من الحساب وذهب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وذبح الموت ونودي كل من الفريقين بالخلود . 
وعن  السدي   وابن جريج  الاقتصار على ذبح الموت وكان ذلك لما روى الشيخان  والترمذي  عن  أبي سعيد  قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ( يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد  [ ص: 94 ] رأوه، ثم ينادي مناد يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم : هذا الموت، وكلهم قد رأوه، فيذبح بين الجنة والنار ثم يقول : يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ: وأنذرهم ) الآية . 
وفي رواية عن  ابن مسعود  أن يوم الحسرة حين يرى الكفار مقاعدهم من الجنة لو كانوا مؤمنين ، وقيل : حين يقال لهم وهم في النار اخسئوا فيها ولا تكلمون  وقيل : حين يقال وامتازوا اليوم أيها المجرمون   . 
وقال  الضحاك   : ذلك إذا برزت جهنم ورمت بالشرر ، وقيل : المراد بذلك يوم القيامة مطلقا ، وروي ذلك عن  ابن زيد  وفيه حسرات في مواطن عديدة ، ومن هنا قيل : المراد بالحسرة جنسها فيشمل ذلك حسرتهم فيما ذكر وحسرتهم عند أخذ الكتب بالشمائل وغير ذلك والمراد بقضاء الأمر الفراغ من أمر الدنيا بالكلية، ويعتبر وقت ذلك ممتدا ، وقيل : المراد بيوم الحسرة يوم القيامة كما روي عن  ابن زيد  إلا أن المراد بقضاء الأمر الفراغ مما يوجب الحسرة ، وجوز  ابن عطية  أن يراد بيوم الحسرة ما يعم يوم الموت . 
وأنت تعلم أن ظاهر الحديث السابق وكذا غيره كما لا يخفى على المتتبع قاض بأن يوم الحسرة يوم يذبح الموت وينادى بالخلود ، ولعل التخصيص لما أن الحسرة يومئذ أعظم الحسرات لأنه هناك تنقطع الآمال وينسد باب الخلاص من الأهوال . ومن غريب ما قيل : إن المراد بقضاء الأمر سد باب التوبة حين تطلع الشمس من مغربها وليس بشيء ، (وإذ) على سائر الأقوال بدل من (يوم) أو متعلق بالحسرة والمصدر المعرف يعمل بالمفعول الصريح عند بعضهم فكيف بالظرف ، وقوله تعالى وهم في غفلة وهم لا يؤمنون  قال  الزمخشري   : متعلق بقوله تعالى شأنه في ضلال مبين  عن  الحسن  ، ووجه ذلك بأن الجملتين في موضع الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور أي مستقرون في ذلك وهم في تينك الحالتين ، واستظهر في الكشف العطف على قوله تعالى : الظالمون اليوم في ضلال مبين  أي : هم في ضلال وهم في غفلة وعلى الوجهين تكون جملة (أنذرهم) معترضة والواو اعتراضية ، ووجه الاعتراض أن الإنذار مؤكد ما هم فيه من الغفلة والضلال ، وجوز أن يكون ذلك متعلقا بأنذرهم على أنه حال من المفعول أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين للعقب بأنه لا يلائم قوله تعالى : إنما أنت منذر من يخشاها  وقال في الكشف : إنه غير وارد لأن ذلك بالنسبة إلى النفع وهذا بالنسبة إلى تنبيه الغافل لبيان أن النفع في الآخرة وهذه وظيفة الأنبياء عليهم السلام عن آخرهم ، ثم لو سلم لا مناقضة كما في قوله تعالى وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين  كيف وقد تكرر هذا المعنى في القرآن إلى قوله تعالى : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون  وأما إن قوله سبحانه : وهم لا يؤمنون  نفي مؤكد يشتمل على الماضية والآتية فلا يسلم لو جعل حالا ولو سلم فقد علم جوابه مما سبق وما على الرسول إلا البلاغ . 
نعم لا نمنع أن الوجه الأول أرجح وأشد طباقا للمقام ، وحاصل المعنى على الأخير أنذرهم لأنهم في حالة يحتاجون فيها للإنذار 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					