ضربت عليهم الذلة   أي ذلة هدر النفس والمال والأهل ، وقيل : ذلة التمسك بالباطل وإعطاء الجزية ، قال  الحسن   : أذلهم الله تعالى فلا منعة لهم ، وجعلهم تحت أقدام المسلمين ، وهذا من ضرب الخيام والقباب كما قاله أبو مسلم ، قيل : ففيه استعارة مكنية تخييلية ، وقد يشبه إحاطه الذلة واشتمالها عليهم بذلك على وجه الاستعارة التبعية ، وقيل : هو من قولهم : ضرب فلان الضريبة على عبده أي ألزمها إياه ، فالمعنى ألزموا الذلة وثبتت فيهم فلا خلاص لهم منها أين ما ثقفوا  أي وجدوا ، وقيل : أخذوا وظفر بهم ، و ( أينما ) شرط ، و ( ما ) زائدة ، وثقفوا في موضع جزم ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أو هو بنفسه على رأي . إلا بحبل من الله وحبل من الناس  استثناء مفرغ من أعم الأحوال ، والمعنى على النفي أي لا يسلمون من الذلة في حال من الأحوال إلا في حال أن يكونوا معتصمين بذمة الله تعالى أو كتابه الذي أتاهم وذمة المسلمين ، فإنهم بذلك يسلمون من القتل والأسر وسبي الذراري واستئصال الأموال . 
وقيل : أي إلا في حال أن يكونوا متلبسين بالإسلام واتباع سبيل المؤمنين ، فإنهم حينئذ يرتفع عنهم ذل التمسك والإعطاء . 
وباءوا بغضب من الله  أي رجعوا به وهو كناية عن استحقاقهم له واستيجابهم إياه من قولهم باء فلان بفلان إذا صار حقيقا أن يقتل به ، فالمراد صاروا أحقاء بغضبه سبحانه ، والتنوين للتفخيم ، والوصف مؤكد لذلك . 
وضربت عليهم المسكنة  فهم في الغالب مساكين وقلما يوجد يهودي يظهر الغنى . ( ذلك   ) أي المذكور من المذكورات بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله  الدالة على نبوة محمد  صلى الله تعالى عليه وسلم ويقتلون الأنبياء بغير حق  أصلا ، ونسبة القتل إليهم مع أنه فعل أسلافهم على نحو ما مر غير مرة . 
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون   ( 211 ) إشارة إلى كفرهم وقتلهم الأنبياء عليهم السلام على ما يقتضيه القرب فلا تكرار ، وقيل : معناه أن ضرب الذلة وما يليه كما هو معلل بكفرهم وقتلهم فهو معلل  [ ص: 30 ] بعصيانهم واعتدائهم ، والتعبير بصيغة الماضي والمضارع لما مر ، ثم إن جملة ( منهم المؤمنون   ) وكذا جملة ( لن يضروكم   ) وما عطف عليها واردتان على سبيل الاستطراد ولذا لم يعطفا على الجملة الشرطية قبلهما ، وإنما لم يعطف الاستطراد الثاني على الأول لتباعدهما وكون كل منهما نوعا من الكلام ، وقال بعض المحققين : إن هاتين الجملتين مع ما بعدهما مرتبط بقوله تعالى : ولو آمن  مبين له ، فقوله سبحانه : منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون  مبين لذلك باعتبار أن المفروض إيمان الجميع ، وإلا فبعضهم مؤمنون رفعا لسوء الظن بالبعض ، وقوله عز شأنه : لن يضروكم  بيان لما هو خير لهم وهو أنهم لعدم إيمانهم مبتلون بمشقة التدبير لإضراركم وبالحزن على الخيبة وتدبير الغلبة عليكم بالمقابلة والغلبة لكم ، وفي طلب الرياسة بمخالفتكم ، وضرب الله تعالى عليهم الذلة لتلك المخالفة ، وفي طلب المال بأخذ الرشوة بتحريف كتابهم وضرب الله عليهم المسكنة ، ولو آمنوا لنجوا من جميع ذلك انتهى ، ولا يخفى أن هذا على تقدير قبوله وتحمل بعده لا يأبى القول بالاستطراد لأنه أن يذكر في أثناء الكلام ما يناسبه وليس السياق له ، وإنما يأبى الاعتراض ولا نقول به فتأمل . 
				
						
						
