إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم
[ ص: 273 ] الإفك : أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء ، وقيل : هو البهتان لا تشعر به حتى يفجأك ، وأصله : الأفك ، وهو القلب ؛ لأنه قول مأفوك عن وجهه ، والمراد : ما أفك به على -رضي الله عنها- والعصبة : الجماعة من العشرة إلى الأربعين ، وكذلك العصابة ، واعصوصبوا : اجتمعوا ، وهم عائشة عبد الله بن أبي رأس النفاق ، وزيد بن رفاعة ، ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ، ومن ساعدهم ، وقرئ : "كبره " : بالضم والكسر ، وهو عظمه ، والذي تولاه عبد الله ؛ لإمعانه في عداوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانتهازه الفرص ، وطلبه سبيلا إلى الغميزة .
أي : يصيب كل خائض في حديث الإفك من تلك العصبة نصيبه من الإثم على مقدار خوضه ، والعذاب العظيم لعبد الله ؛ لأن معظم الشر كان منه ، يحكى أن صفوان -رضي الله عنه- مر بهودجها عليه وهو في ملأ من قومه فقال : من هذه ؟ فقالوا : -رضي الله عنها- فقال : والله ، ما نجت منه ولا نجا منها ، وقال : امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها ، والخطاب في قوله : عائشة هو خير لكم : لمن ساءه ذلك من المؤمنين ، وخاصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأبا بكر ، وعائشة وصفوان بن المعطل -رضي الله عنهم- ومعنى كونه خيرا لهم : أنهم اكتسبوا فيه الثواب العظيم ؛ لأنه كان بلاء مبينا ومحنة ظاهرة ، وأنه نزلت فيه ثماني عشرة آية ، كل واحدة منها مستقلة بما هو تعظيم لشأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتسلية له ، وتنزيه لأم المؤمنين -رضوان الله عليها- وتطهير لأهل البيت ، وتهويل لمن تكلم في ذلك أو سمع به فلم تمجه أذناه ، وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة ، وفوائد دينية ، وأحكام وآداب لا تخفى على متأمليها .