أي "حملته" تهن وهنا على وهن كقولك رجع عودا على يده، بمعنى; يعود عودا على بدء، وهو في موضع الحال. والمعنى: أنها تضعف ضعفا فوق ضعف، أي: يتزايد ضعفها ويتضاعف; لأن الحمل كلما ازداد وعظم، ازدادت ثقلا وضعفا. وقرئ: وهنا على وهن بالتحريك عن أبي عمرو . يقال: وهن يوهن. ووهن يهن. وقرئ: (وفصله) أن اشكر تفسير لوصينا ما ليس لك به علم أراد بنفى العمل به نفيه، أي: لا تشرك بي ما ليس بشيء، يريد الأصنام، كقوله تعالى: ما يدعون من دونه من شيء [العنكبوت: 42]. "معروفا" صحابا. أو مصاحبا معروفا حسنا بخلق جميل وحلم واحتمال وبر وصلة، وما يقتضيه الكرم والمروءة واتبع سبيل من أناب إلي يريد: واتبع سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما فيه -وإن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما في الدنيا- ثم إلي مرجعك ومرجعهما، فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما، علم بذلك حكم الدنيا وما يجب على الإنسان في صحبتهما ومعاشرتهما: من مراعاة حق الأبوة وتعظيمه، وما لهما من المواجب التي لا يسوغ الإخلال بها، ثم بين حكمهما وحالهما في [ ص: 12 ] الآخرة. وروي: أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه. وفى القصة: أنها مكثت ثلاثا لا تطعم ولا تشرب حتى شجروا فاها بعود. وروي أنه قال: لو كانت لها سبعون نفسا فخرجت، لما ارتددت إلى الكفر. فإن قلت: هذا الكلام كيف وقع في أثناء وصية لقمان؟ قلت: هو كلام اعترض به على سبيل الاستطراد؛ تأكيدا لما في وصية لقمان من النهي عن الشرك. فإن قلت: فقوله: حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين كيف اعترض به بين المفسر والمفسر؟ قلت: لما وصى بالوالدين ذكر ما تكابده الأم وتعانيه من المشاق والمتاعب في حمله وفصاله هذه المدة المتطاولة، إيجابا للتوصية بالوالدة خصوصا. وتذكيرا بحقها العظيم مفردا، ومن ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن قال له: من أبر؟ "أمك ثم أمك ثم أمك" ثم قال بعد ذلك: "ثم أباك". وعن بعض العرب أنه حمل أمه إلى الحج على ظهره وهو يقول في حدائه بنفسه [من الرجز]:
أحمل أمي وهي الحماله ترضعني الدرة والعلاله ولا يجازى والد فعاله
[ ص: 13 ] فإن قلت: ما معنى توقيت الفصال بالعامين؟ قلت: المعنى في توقيته بهذه المدة أنها الغاية التي لا تتجاوز، والأمر فيما دون العامين موكول إلى اجتهاد الأم: إن علمت أنه يقوي على الفطام فلها أن تفطمه، ويدل عليه قوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة [البقرة: 233] وبه استشهد الشافعي -رضي الله عنه- على أن مدة الرضاع سنتان، لا تثبت حرمة الرضاع بعد انقضائهما، وهو مذهب أبي يوسف ومحمد. وأما عند أبي حنيفة -رضي الله عنه-. فمدة الرضاع ثلاثون شهرا. وعن أبي حنيفة : إن فطمته قبل العامين فاستغنى بالطعام ثم أرضعته، لم يكن رضاعا. وإن أكل أكلا ضعيفا لم يستغن به عن الرضاع ثم أرضعته، فهو رضاع محرم.


