قل الحمد لله : إلزام لهم على إقرارهم بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله وحده، وأنه يجب أن يكون له الحمد والشكر. وأن لا يعبد معه غيره، ثم قال: بل أكثرهم لا يعلمون أن ذلك يلزمهم، وإذا نبهوا عليه لم ينتبهوا إن الله هو الغني عن حمد الحامدين المستحق للحمد، وإن لم يحمدوه.
قرئ: (والبحر) بالنصب عطفا على اسم إن، وبالرفع عطفا على محل إن ومعمولها على ولو ثبت كون الأشجار أقلاما، وثبت البحر ممدودا بسبعة أبحر. أو على الابتداء [ ص: 21 ] والواو للحال، على معنى، ولو أن الأشجار أقلام في حال كون البحر ممدودا، وفى قراءة ابن مسعود : و (بحر يمده) على التنكير، ويجب أن يحمل هذا على الوجه الأول. وقرئ: (يمده) و (يمده) وبالتاء والياء. فإن قلت: كان مقتضى الكلام أن يقال: ولو أن الشجر أقلام، والبحر مداد. قلت: أغنى عن ذكر المداد قوله: يمده; لأنه من قولك: مد الدواة وأمدها، جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة، وجعل الأبحر السبعة مملوءة مدادا، فهي تصب فيه مدادا أبدا صبا لا ينقطع. والمعنى: ولو أن أشجار الأرض أقلام، والبحر ممدود بسبعة أبحر. وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله، لما نفدت كلماته ونفدت الأقلام والمداد، كقوله تعالى: قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي [الكهف: 109]. فإن قلت: زعمت أن قوله: والبحر يمده حال في أحد وجهي الرفع، وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال. قلت: هو كقوله [من الطويل]:
وقد أغتدي والطير في وكناتها
و: جئت والجيش مصطف، وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف، ويجوز أن يكون المعنى: وبحرها، والضمير للأرض. فإن قلت: لم قيل: من شجرة على التوحيد دون اسم الجنس الذي هو شجر؟ قلت: أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة، حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا قد بريت أقلاما. فإن قلت: [ ص: 22 ] الكلمات جمع قلة، والموضع موضع التكثير لا التقليل. فهلا قيل: كلم الله؟ قلت: معناه: أن كلماته لا تفى بكتبتها البحار، فكيف بكلمة؟ وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنها نزلت جوابا لليهود لما قالوا: "قد أوتينا التوراة وفيها كل الحكمة" وقيل: إن المشركين قالوا: إن هذا -يعنون الوحي- كلام سينفد، فأعلم الله أن كلامه لا ينفد. وهذه الآية عند بعضهم مدنية، وأنها نزلت بعد الهجرة، وقيل هي مكية، وإنما أمر اليهود وفد قريش أن يقولوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألست تتلو فيما أنزل عليك: "أنا قد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء" إن الله عزيز لا يعجزه شيء "حكيم" لا يخرج من علمه وحكمته شيء، ومثله لا تنفد كلماته وحكمه.


