ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون   وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين   
الباء التي في "بالباطل" إن كانت صلة مثلها في قولك: لبست الشيء بالشيء خلطته به كان المعنى: ولا تكتبوا في التوراة ما ليس منها فيختلط الحق المنزل بالباطل الذي كتبتم، حتى لا يميز بين حقها وباطلكم، وإن كانت باء الاستعانة كالتي في قولك: كتبت بالقلم، كان المعنى: ولا تجعلوا الحق ملتبسا مشتبها بباطلكم الذي تكتبونه. 
"وتكتموا": جزم داخل تحت حكم النهي، بمعنى: ولا تكتموا، أو منصوب بإضمار أن، والواو بمعنى الجمع، أي: ولا تجمعوا لبس الحق بالباطل وكتمان الحق، كقولك: لا تأكل السمك  [ ص: 260 ] وتشرب اللبن. 
فإن قلت: لبسهم وكتمانهم ليسا بفعلين متميزين حتى ينهوا عن الجمع بينهما; لأنهم إذا لبسوا الحق بالباطل فقد كتموا الحق؟ قلت: بل هما متميزان; لأن لبس الحق بالباطل ما ذكرنا من كتبهم في التوراة ما ليس منها، وكتمانهم الحق أن يقولوا: لا نجد في التوراة صفة محمد   - صلى الله عليه وسلم - أو حكم كذا، أو يمحوا ذلك، أو يكتبوه على خلاف ما هو عليه، وفي مصحف عبد الله   : (وتكتمون) بمعنى كاتمين. 
وأنتم تعلمون   : في حال علمكم أنكم لابسون كاتمون، وهو أقبح لهم; لأن الجهل بالقبيح ربما عذر راكبه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة  يعني: صلاة المسلمين وزكاتهم واركعوا مع الراكعين  منهم; لأن اليهود لا ركوع في صلاتهم، وقيل: "الركوع": الخضوع والانقياد لما يلزمهم في دين الله، ويجوز أن يراد بالركوع: الصلاة، كما يعبر عنها بالسجود، وأن يكون أمرا بأن يصلي مع المصلين، يعني في الجماعة، كأنه قيل: وأقيموا الصلاة وصلوها مع المصلين، لا منفردين. 
				
						
						
