واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين
هذه القصة تضمنت الإعلام بغيب، والإتيان بما يقطع أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرفه، ثم ظهر على لسانه في ذلك ما في الكتب المتقدمة. وليست هذه الآية مثالا لقريش إلا في أمر الأصنام فقط; لأنه ليس فيها تكذيب وعذاب. وقول إبراهيم عليه السلام : ما تعبدون استفهام بمعنى التقرير، والصنم ما كان من الأوثان على صورة ابن آدم، كان من حجر أو عود أو غير ذلك. و "ظل" عرفها في فعل الشيء نهارا، و "بات" عرفها في فعله ليلا، و "طفق" عامة للوجهين، ولكن قد يجيء "ظل" بمعنى العموم، وهذا الموضع من ذلك. و "العكوف": اللزوم، ومنه المعتكف، ومنه قول الراجز:
................... عكف النبيط يلعبون الفنزجا
ثم أخذ إبراهيم عليه السلام يوقفهم على أشياء يشهد العقل أنها بعيدة عن صفة الإله. وقرأ الجمهور بفتح الياء من "يسمعونكم"، وقرأ بضمها وكسر الميم، من أسمع، والمفعول -على هذه القراءة- محذوف، وقرأ جمهور القراء: "إذ تدعون" بإدغام الدال في التاء، بعد القلب، ويجوز فيه قياس "مذكر"، ولم يقرأ به أحد، والقياس أن يكون اللفظ به "إذ ددعون"، والذي منع من هذا اللفظ اتصال الدال [ ص: 489 ] الأصلية في الفعل فكثرت التماثلات. قتادة
وقولهم: بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون أقبح وجوه التقليد; لأنه على ضلالة، وفي أمر بين خلافه، وعظيم قدره، فلما صرحوا لإبراهيم عليه السلام عن عظم ذلك وعدم نظرهم، وأنه لا حجة لهم، خاطبهم ببراءته من جميع ما عبد من دون الله عز وجل وعداوته له، وعبر عن بغضته واطراحه لكل معبود سوى الله تعالى بالعداوة; إذ هي تقتضي التفسير، وقيل: في الكلام قلب; لأن الأصنام لا تعادي وإنما هو عاداها. وقوله تعالى: إلا رب العالمين قالت فرقة: هو استثناء متصل; لأن في الآباء الأقدمين من قد عبد من دون الله تبارك وتعالى، وقالت فرقة: هو استثناء منقطع; لأنه إنما أراد عبادة الأوثان من كل قرن منهم، ولفظة "عدو" تقتضي للجميع والمفرد والمؤنث.