[ ص: 25 ] قوله عز وجل:
قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون
لما قال فرعون سنقتل أبناءهم وتوعدهم، قال موسى عليه السلام لبني إسرائيل يثبتهم ويعدهم ما عند الله: استعينوا بالله واصبروا ، وظاهر هذا الكلام كله وعد بغيب فكأن قوته تقتضي أنه من عند الله، وليس في اللفظ شيء من ذلك، و"الأرض" أرض الدنيا وهو الأظهر، وقيل: المراد هنا أرض الجنة، وأما في الثانية فأرض الدنيا لا غير.
وقرأت فرقة: "يورثها" بفتح الراء، وقرأ السبعة: "يورثها" ساكنة الواو خفيفة الراء مكسورة، وروى حفص عن وهي قراءة عاصم "يورثها" بتشديد الراء على المبالغة، والصبر في هذه الآية يعم الانتظار الذي هو عبادة والصبر في المناجزات. الحسن
وقولهم: من قبل أن تأتينا يعنون به الذبح الذي كان في المدة التي كان فرعون يتخوف فيها أن يولد المولود الذي يخرب ملكه، والذي من بعد مجيئه يعنون به وعيد فرعون وسائر ما كان خلال تلك المدة من الإخافة لهم، وقال ، السدي رضي الله عنهما: إنما قالت بنو إسرائيل هذه المقالة حين اتبعهم وابن عباس فرعون واضطرهم إلى البحر فضاقت صدورهم ورأوا بحرا أمامهم وعدوا كثيفا وراءهم فقالوا هذه المقالة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وبالجملة هو كلام يجري مع المعهود من بني إسرائيل من اضطرابهم على أنبيائهم وقلة يقينهم وصبرهم على الدين، واستعطاف موسى لهم بقوله: عسى ربكم أن يهلك عدوكم ، ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض يدل على أنه يستدعي نفوسا نافرة، ويقوي هذا الظن في بني إسرائيل سلوكهم هذه السبيل في غير قصة، وحكى [ ص: 26 ] أنهم قالوا ذلك النقاش بمصر حين كلفهم فرعون من العمل ما لا يطيقون، وروي أنه كان يكلفهم عمل الطوب ويمنعهم التبن ليشق عليهم عمله.
وقوله تعالى: فينظر كيف تعملون تنبيه وحض على الاستقامة، وإن قدر هذا الوعد أنه من عند الله فيتخرج عليه قول "عسى" من الله واجبة، وقد استخلفوا في الحسن بن أبي الحسن: مصر في زمن داود وسليمان، وقد فتحوا بيت المقدس مع يوشع.
وقوله تعالى: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين الآية. أخبر أنه أخذ آل فرعون في تلك المدة التي كان موسى يدعوهم فيها بالسنين وهو: الجدوب والقحوط، وهذه سيرة الله في الأمم، وكذلك فعل بقريش. والسنة في كلام العرب: القحط ومنه قول ليلى: "والناس مسنتون"، وسنة وعضة وما جرى مجراهما من الأسماء المنقوصة تجمع بالواو والنون ليس على جهة جمع السلامة لكن على جهة العوض، مما نقص وكذلك "أرض" توهموا فيها نقص هاء التأنيث; لأنه كان حقها أن تكون "أرضة"، وأما "حرة وإحرون" فلأن التضعيف أبدا يعتل فتوهموه مثل النقص، وكسر السين من "سنون وسنين" وزيادة الألف في "إحرين" دليل على أنه ليس بجمع سلامة.
وقوله تعالى: ونقص من الثمرات روي أن النخلة كانت لا تحمل إلا ثمرة واحدة، وقال نحوه رجاء بن حيوة ، وأراد الله عز وجل أن ينيبوا ويزدجروا عما هم عليه من الكفر، إذ أحوال الشدة ترق القلوب وترغب فيما عند الله.