إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون   
إن الذين يحبون  أي : يريدون ويقصدون أن تشيع الفاحشة  أي : تنتشر الخصلة المفرطة في القبح  ، وهي الفرية والرمي بالزنا أو نفس الزنا ، فالمراد : بشيوعها شيوع خبرها ، أي : يحبون شيوعها ويتصدون مع ذلك لإشاعتها ، وإنما لم يصرح به اكتفاء بذكر المحبة فإنها مستتبعة له لا محالة . في الذين آمنوا  متعلق بـ "تشيع" أي : تشيع فيما بين الناس ، وذكر المؤمنين لأنهم العمدة فيهم ، أو بمضمر هو حال من الفاحشة ، فالموصول عبارة عن المؤمنين خاصة ، أي : يحبون أن تشيع الفاحشة كائنة في حق المؤمنين وفي شأنهم . 
لهم  بسبب ما ذكر عذاب أليم في الدنيا  من الحد وغيره مما يتفق من البلايا الدنيوية ، ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي  ،  وحسانا  ،  ومسطحا  حد القذف ، وضرب صفوان   حسانا  ضربة بالسيف وكف بصره .  [ ص: 164 ] والآخرة  من عذاب النار وغير ذلك مما يعلمه الله عز وجل . 
والله يعلم  جميع الأمور التي من جملتها ما في الضمائر من المحبة المذكورة وأنتم لا تعلمون  ما يعلمه تعالى ، بل إنما تعلمون ما ظهر لكم من الأقوال والأفعال المحسوسة فابنوا أموركم على ما تعملونه ، وعاقبوا في الدنيا على ما تشاهدونه من الأحوال الظاهرة ، والله سبحانه هو المتولي للسرائر فيعاقب في الآخرة على ما تكنه الصدور هذا إذا جعل العذاب الأليم في الدنيا عبارة عن حد القذف أو متنظما له كما أطبق عليه الجمهور ، أما إذا بقي على إطلاقه يراد بالمحبة نفسها من غير أن يقارنها التصدي للإشاعة وهو الأنسب بسياق النظم الكريم ، فيكون ترتيب العذاب عليها تنبيها على أن عذاب من يباشر الإشاعة ويتولاها أشد وأعظم  ، ويكون الاعتراض التذييلي - أعني قوله تعالى :  "والله يعلم وأنتم لا تعلمون"   - تقريرا لثبوت العذاب الأليم لهم وتعليلا له . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					