الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا

                                                                                                                                                                                                                                      فلا تطع الكافرين أي : فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد في الدعوة وإظهار الحق والتشدد معهم ، كأنه نهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن المداراة معهم والتلطف في الدعوة لما أنه صلى الله عليه وسلم كان يود أن يدخلوا في الإسلام ويجتهد في ذلك بتأليف قلوبهم أشد الاجتهاد .

                                                                                                                                                                                                                                      وجاهدهم به أي : بالقرآن بتلاوة ما في تضاعيفه من القوارع والزواجر والمواعظ وتذكير أحوال الأمم المكذبة . جهادا كبيرا فإن دعوة كل العالمين على الوجه المذكور جهاد كبير لا يقادر قدره كما وكيفا ، وقيل : الضمير المجرور لترك الطاعة المفهوم من النهي عن الطاعة وأنت خبير بأن مجرد ترك الطاعة يتحقق بلا دعوة أصلا وليس فيه شائبة الجهاد فضلا عن الجهاد الكبير اللهم إلا أن تجعل الباء للملابسة ليكون المعنى : وجاهدهم بما ذكر من أحكام القرآن الكريم ملابسا بترك طاعتهم ، كأنه قيل : فجاهدهم بالشدة والعنف لا بالملاءمة والمداراة كما في قوله تعالى : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم . وقد جعل الضمير لما دل عليه قوله تعالى : "ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا" من كونه صلى الله عليه وسلم نذير كافة القرى لأنه لو بعث في كل قرية نذير لوجب على كل نذير مجاهدة قريته فاجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المجاهدات كلها فكبر من أجل ذلك جهاده وعظم فقيل له صلى الله عليه وسلم : وجاهدهم بسبب كونك نذير كافة القرى جهادا كبيرا جامعا لكل مجاهدة ، وأنت خبير بأن بيان سبب كبر المجاهدة بحسب الكمية ليس فيه مزيد فائدة فإنه بين بنفسه ، وإنما اللائق بالمقام بيان سبب كبرها وعظمها في الكيفية .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية