فصل قال  أبو بكر   : والمنصوص على تحريمه في الكتاب هو الجمع بين الأختين ، وقد وردت آثار متواترة في النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها ،  رواه  علي   وابن عباس   وجابر   وابن عمر   وأبو موسى   وأبو سعيد الخدري   وأبو هريرة   وعائشة   وعبد الله بن عمر  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على بنت أخيها ولا على بنت أختها وفي بعضها : لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى  . 
على اختلاف بعض الألفاظ مع اتفاق المعنى ؛ وقد تلقاها الناس بالقبول مع تواترها واستفاضتها . وهي من الأخبار الموجبة للعلم والعمل ، فوجب استعمال حكمها مع الآية وشذت طائفة من الخوارج  بإباحة الجمع بين من عدا الأختين  لقوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم  وأخطأت في ذلك وضلت عن سواء السبيل ؛ لأن الله تعالى كما قال : وأحل لكم ما وراء ذلكم  قال : وما آتاكم الرسول فخذوه  
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الجمع بين من ذكرنا ، فوجب أن يكون مضموما إلى الآية ، فيكون قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم  مستعملا فيمن عدا الأختين وعدا من بين النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الجمع بينهن .  [ ص: 80 ] وليس يخلو قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم  من أن يكون نزل قبل حكم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم من حرم الجمع بينهن أو معه أو بعده ، وغير جائز أن يكون قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم  بعد الخبر ؛ لأن قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم  مرتب على تحريم من ذكر تحريمهن منهن ؛ لأن قوله : ما وراء ذلكم  المراد به ما وراء من تقدم ذكر تحريمهن ، وقد كان قبل تحريم الجمع بين الأختين جميع ذلك مباحا . 
فعلمنا أن تحريم من ذكر تحريم الجمع بينهن في الخبر لم يكن قبل تحريم الجمع بين الأختين  ؛ وإذا امتنع أن يكون الخبر قبل الآية لم يخل من أن يكون معها أو بعدها ، فإن كان معها فلم ترد الآية إلا خاصة فيمن عدا ما ذكر في الخبر تحريم جمعهن ، وعلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك عقيب تلاوة الآية وبين مراد الله تعالى بها ، فلم يعقل السامعون للآية حكما إلا خاصا على ما بيناه . 
وإن كان حكم الآية استقر على مقتضى عموم لفظها ثم ورد الخبر ، فإن هذا لا يكون إلا على وجه النسخ ، ونسخ القرآن جائز بمثله لتواتره واستفاضته وكونه في حيز الأخبار الموجبة للعلم والعمل ، فإن لم يثبت عندنا تاريخ الآية والخبر مع حصول اليقين بأنه غير منسوخ بالآية ؛ لأنه لم يرد قبلها على ما بينا آنفا ، وجب استعماله مع الآية . وأولى الأشياء أن يكون الآية والخبر وردا معا ؛ لأنه ليس عندنا علم بتاريخهما ، وغير جائز لنا الحكم بتأخره عن الآية ونسخ بعض أحكام الآية به ؛ لأن ذلك لا يكون إلا بعد استقرار حكمها ، وليس عندنا علم باستقرار حكم الآية على عمومها ثم ورد النسخ عليها بالخبر ، فوجب الحكم بورودهما معا ؛ ولأن الآية والخبر إذا لم يعلم تاريخهما وجب الحكم بهما معا ، كالغرقى والقوم الذين يقع عليهم البيت إذا لم يعلم موت أحدهم متقدما على الآخر حكمنا بموتهم جميعا معا ؛ والله أعلم 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					