باب أسنان الإبل في شبه العمد  روي عن  عبد الله بن مسعود  في شبه العمد أرباعا خمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة ، وهي مثل أسنان الإبل في الزكاة "  . 
وروي عن  علي   وعمر   وأبي موسى   والمغيرة بن شعبة   : " في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة  " . وعن  عثمان   وزيد بن ثابت   : " ثلاثون بنات لبون وثلاثون حقة وأربعون جذعة خلفة "  . 
وروى أبو إسحاق  عن عاصم بن ضمرة  عن  علي   : " في شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها ، كلها خلفة "  . واختلف فقهاء الأمصار في ذلك ، فقال  أبو حنيفة   وأبو يوسف   : " دية شبه العمد أرباع " على ما روي عن  عبد الله بن مسعود   . وقال محمد  دية شبه العمد أثلاث : ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة ، والخلفة هي الحوامل " وهو قول  سفيان الثوري   . وروي مثله عن  عمر   وزيد بن ثابت  ومن قدمنا ذكره من السلف   . 
وروى  ابن القاسم  عن  مالك   : " أن الدية المغلظة في الرجل يحذف ابنه بالسيف فيقتله  فتكون عليه الدية مغلظة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهي حالة " قال : " والجد إذا قتل ولد ولده  على هذا الوجه فهو مثل الأب ، فإن قطع يد الولد وعاش ففيه نصف الدية مغلظة " ؛ وقال  مالك   : " تغلظ على أهل الورق والذهب أيضا ، وهو أن ينظر إلى قيمة الثلاثين من الحقة والثلاثين من الجذعة والأربعين من الخلفة فيعرف كم قيمتهن ، ثم ينظر إلى دية الخطإ أخماسا من الأسنان عشرين بنت مخاض وعشرين ابن لبون وعشرين بنات لبون وعشرين حقة وعشرين جذعة ، ثم ينظر كم فضل ما بين دية الخطإ والدية المغلظة فيزاد في الرقة على قدر ذلك " قال : " وهو على قدر الزيادة والنقصان في سائر الأزمان ، وإن صارت دية التغليظ ضعفي دية الخطإ زيد عليه من الورق بقدر ذلك " . 
وقال  الثوري  في دية شبه العمد  [ ص: 208 ] من الورق : " يزاد عليها بقدر ما بين دية الخطإ إلى دية شبه العمد في أسنان الإبل " نحو ما قال  مالك  ، وهو قول  الحسن بن صالح   . 
قال  أبو بكر   : لما ثبت أن دية الخطإ أخماس بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وبما قدمنا من الحجاج ، ثم اختلفوا في شبه العمد فجعله بعضهم أرباعا وبعضهم أثلاثا ، كان قول من قال بالأرباع أولى ؛ لأن في الأثلاث زيادة تغليظ لم تقم عليها دلالة ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : الدية مائة من الإبل يوجب جواز الكل ، والتغليظ بالأرباع متفق عليه ، والزيادة عليها غير ثابتة ، فظاهر الخبر ينفيها فلم نثبتها . 
وأيضا فإن في إثبات الخلفات وهي الحوامل إثبات زيادة عدد فلا يجوز ؛ لأنها تصير أكثر من مائة لأجل الأولاد . 
فإن قيل : في حديث القاسم بن ربيعة  عن  ابن عمر  عن النبي صلى الله عليه وسلم : في قتيل خطإ العمد مائة من الإبل أربعون منها خلفة في بطونها أولادها وقد احتججتم به في إثبات شبه العمد ، فهلا أثبتم الأسنان قيل له : أثبتنا به شبه العمد لاستعمال الصحابة إياه في إثبات شبه العمد ، ولو كان ذلك ثابتا لكان مشهورا ، ولو كان كذلك لما اختلفوا فيه كما لم يختلفوا في إثبات شبه العمد ؛ وليس يمتنع أن يشتمل خبر على معاني فيثبت بعضها ولا يثبت بعض إما لأنه غير ثابت في الأصل أو لأنه منسوخ ، وأما التغليظ في الورق والذهب فإنه لا يخلو أصل الدية من أن يكون واجبا من الإبل وأن الورق والذهب مأخوذان عنها على أنهما قيمة لها ، أو أن تكون الدية في الأصل واجبة في أحد الأصناف الثلاثة من الدراهم والدنانير والإبل ، لا على أن بعضها بدل من بعض ، فإن كانت الإبل هي الدية وإنما تؤخذ الدراهم والدنانير بدلا منها ؛ فلا اعتبار بما ذكره  مالك  من إيجاب فضل ما بين دية الخطإ إلى الدية المغلظة ، وإنما الواجب أن يقال إن عليه قيمة الإبل على أسنان التغليظ ، وكذلك دية الخطإ ينبغي أن تعتبر فيها قيمة الإبل على أسنان الخطإ وأن لا تعتبر الدراهم والدنانير في الديات مقدارا محدودا ، فلا يقال إن الدية من الدراهم عشرة آلاف ولا اثنا عشر ألفا ولا من الذهب ألف دينار ، بل ينظر في سائر الأزمان إلى قيمة الإبل فإن كانت ستة آلاف أوجب ذلك من الدراهم بغير زيادة ، وإن كانت خمسة عشر ألفا أوجب ذلك ، وكذلك قيمتها من الدنانير . 
فلما قال السلف  في الدية أحد قولين إما عشرة آلاف وإما اثنا عشر ألفا وقالوا إنها من الدنانير ألف دينار ، حصل الاتفاق من الجميع على أن الزيادة على هذه المقادير والنقصان منها غير سائغ ، وفي ذلك  [ ص: 209 ] دليل على أن الدراهم والدنانير هي ديات بأنفسها لا بدلا من غيرها ؛ وإذا كان كذلك لم يجز التغليظ فيها من وجهين : 
أحدهما : أن إثبات التغليظ طريقه التوقيف أو الاتفاق ، ولا توقيف في إثبات التغليظ في الدراهم والدنانير ولا اتفاق . 
والثاني : أن التغليظ في الإبل إنما هو من جهة الأسنان لا من جهة زيادة العدد ؛ وفي إثبات التغليظ من جهة زيادة الوزن في الورق والذهب خروج عن الأصول . 
ووجه آخر يدل على أن الدراهم والدنانير ليست على وجه القيمة عن الإبل ، وهو أنه معلوم أن القاضي يقضي على العاقلة إذا كانت من أهل الورق بالورق ، وإذا كانت من أهل الذهب بالدنانير ؛ فلو كانت الإبل هي الواجبة والدراهم والدنانير بدل منها لما جاز أن يقضي القاضي فيها بالدراهم والدنانير على أن تؤديها في ثلاث سنين ؛ لأنه دين بدين ، فلما جاز ذلك دل على أنها ديات بأنفسها ليست أبدالا عن غيرها . 
ويدل على أن التغليظ غير جائز في الدراهم والدنانير أن  عمر  رضي الله عنه جعل الدية من الذهب ألف دينار من الورق ما اختلف عنه فيه ، فروى عنه أهل المدينة   : " اثنا عشر ألفا " وروى عنه أهل العراق   " عشرة آلاف  " ولم يفرق في ذلك في دية شبه العمد والخطإ وذلك بمحضر من الصحابة من غير خلاف من أحد منهم عليه ؛ فدل على أن اعتبار التغليظ فيها ساقط ، ويدل عليه أيضا أن الصحابة قد اختلفت في كيفية التغليظ في أسنان الإبل لما كان التغليظ فيها واجبا ، ولو كان التغليظ في الورق والذهب واجبا لاختلفوا فيه حسب اختلافهم في الإبل ؛ فلما لم يذكر عنهم خلاف في ذلك وإنما روي عنهم في الذهب ألف دينار وفي الدراهم عشرة آلاف أو اثنا عشر ألفا من غير زيادة ولا نقصان ، ثبت بإجماعهم على ذلك نفي التغليظ في غير الإبل . 
فإن قيل على ما ذكرنا من الأصول لو كان من الإبل لكان قضاء القاضي عليهم بالدية من الدراهم يوجب أن يكون دينا بدين : إن هذا كما يقولون فيمن تزوج امرأة على عبد وسط   " إنه إن جاء بالقيمة دراهم قبلت منه " ولم يكن ذلك بيع دين بدين . قيل له : القاضي عندنا لا يقضي عليه بالدراهم إذا تزوجها على عبد ولكنه يقول له : " إن شئت فأعطها عبدا وسطا وإن شئت قيمته دراهم " فليس فيما قلنا بيع دين بدين ، والدية يقضي بها القاضي على العاقلة دراهم ولا يقبل منهم الإبل إذا قضى بذلك ؛ وعلى أنه إنما تعتبر قيمة العبد في وقت ما يعطي قيمته دراهم ، والإبل لا تعتبر قيمتها إذا أراد القضاء بالدراهم سواء نقصت قيمتها أو زادت . 
				
						
						
