الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا روي عن علي وابن عباس قالا : " سبيلا في الآخرة " . وعن السدي : " ولن يجعل الله لهم عليهم حجة ، يعني فيما فعلوا بهم من قتلهم وإخراجهم من ديارهم فهم في ذلك ظالمون لا حجة لهم فيه " .

ويحتج بظاهره في وقوع الفرقة بين الزوجين بردة الزوج ؛ لأن عقد النكاح يثبت عليها للزوج سبيلا في إمساكها في بيته وتأديبها ومنعها من الخروج ، وعليها طاعته فيما يقتضيه عقد النكاح كما قال تعالى : الرجال قوامون على النساء فاقتضى قوله تعالى : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا وقوع الفرقة بردة الزوج وزوال سبيله عليها ؛ لأنه ما دام النكاح باقيا فحقوقه ثابتة وسبيله باق عليها .

فإن قيل : إنما قال : على المؤمنين فلا تدخل النساء فيه . قيل له إطلاق لفظ التذكير يشتمل على المؤنث والمذكر ، كقوله : إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا وقد أراد به الرجال والنساء ، وكذلك قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ونحوه من الألفاظ .

ويحتج بظاهره أيضا في الكافر الذمي إذا أسلمت امرأته أنه يفرق بينهما إن لم يسلم ، وفي الحربي كذلك أيضا ، فإنه لا يجوز إقرارها تحته أبدا . ويحتج به أصحاب الشافعي في إبطال شرى الذمي للعبد المسلم ؛ لأنه بالملك يستحق السبيل عليه .

وليس ذلك كما قالوا ؛ لأن الشرى ليس هو السبيل المنفي بالآية ؛ لأن الشرى ليس هو الملك ، والملك إنما يتعقب الشرى ، وحينئذ يملك السبيل عليه ؛ فإذا ليس في الآية نفي الشرى إنما فيها نفي السبيل .

فإن قيل : إذا كان الشرى هو المؤدي إلى حصول السبيل ، وجب أن يكون منتفيا كما كان السبيل منتفيا .

قيل له : ليس الأمر كذلك ؛ لأنه ليس يمتنع أن يكون السبيل عليه منتفيا ويكون الشرى المؤدي إلى حصول السبيل جائزا ، وإنما أردت نفي الشرى بالآية نفسها ، فإن ضممت إلى الآية معنى آخر في نفي الشرى فقد عدلت عن الاحتجاج بها وثبت بذلك أن الآية غير مانعة صحة الشرى ؛ وأيضا فإنه لا يستحق بصحة الشرى السبيل عليه ؛ لأنه ممنوع من استخدامه والتصرف فيه إلا بالبيع وإخراجه عن ملكه ، فلم يحصل له ههنا سبيل عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية