وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم   
قوله تعالى : " وتولى عنهم   " أي : أعرض عن ولده أن يطيل معهم الخطب ، وانفرد بحزنه ، وهيج عليه ذكر يوسف   " وقال يا أسفى على يوسف   " قال  ابن  [ ص: 270 ] عباس   : يا طول حزني على يوسف   . قال  ابن قتيبة   : الأسف : أشد الحسرة . قال  سعيد بن جبير   : لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة ما لم يعط الأنبياء قبلهم إنا لله وإنا إليه راجعون   [البقرة :156] ، ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب  ، إذ يقول : " يا أسفى على يوسف   "  . 
فإن قيل : هذا لفظ الشكوى ، فأين الصبر ؟ 
فالجواب من وجهين : 
أحدهما : أنه شكا إلى الله تعالى ، لا منه . والثاني : أنه أراد به الدعاء ، فالمعنى : يارب ارحم أسفي على يوسف   . وذكر  ابن الأنباري  عن بعض اللغويين أنه قال : نداء يعقوب  الأسف في اللفظ من المجاز الذي يعنى به غير المظهر في اللفظ ، وتلخيصه : يا إلهي ارحم أسفي ، أو أنت راء أسفي ، وهذا أسفي ، فنادى الأسف في اللفظ ، والمنادى في المعنى سواه ، كما قال : " يا حسرتنا   " والمعنى : يا هؤلاء تنبهوا على حسرتنا ، قال : والحزن ونفور النفس من المكروه والبلاء لا عيب فيه ولا مأثم إذا لم ينطق اللسان بكلام مؤثم ولم يشك إلا إلى ربه ، فلما كان قوله : " يا أسفى " شكوى إلى ربه ، كان غير ملوم . وقد روي عن  الحسن  أن أخاه مات ، فجزع  الحسن  جزعا شديدا ، فعوتب في ذلك ، فقال : ما وجدت الله عاب على يعقوب  الحزن حيث قال : " يا أسفى على يوسف   " 
قوله تعالى : " وابيضت عيناه من الحزن   " أي : انقلبت إلى حال البياض . وهل ذهب بصره ، أم لا ، فيه قولان : 
أحدهما : أنه ذهب بصره ، قاله  مجاهد   . 
والثاني : ضعف بصره لبياض تغشاه من كثرة البكاء ، ذكره  الماوردي   . وقال  مقاتل   : لم يبصر بعينيه ست سنين . 
 [ ص: 271 ] قال  ابن عباس   : وقوله : " من الحزن   " أي : من البكاء ، يريد أن عينيه ابيضتا لكثرة بكائه ، فلما كان الحزن سببا للبكاء ، سمي البكاء حزنا . وقال  ثابت البناني   : دخل جبريل  على يوسف  ، فقال : أيها الملك الكريم على ربه ، هل لك علم بيعقوب  ؟ قال : نعم . قال : ما فعل ، قال : ابيضت عيناه ، قال : ما بلغ حزنه ؟ قال : حزن سبعين ثكلى ، قال : فهل له على ذلك من أجر ؟ قال : أجر مائة شهيد . وقال  الحسن البصري   : ما فارق يعقوب  الحزن ثمانين سنة ، وما جفت عينه ، وما أحد يومئذ أكرم على الله منه حين ذهب بصره . 
قوله تعالى : " فهو كظيم   " الكظيم بمعنى الكاظم ، وهو الممسك على حزنه فلا يظهره ، قاله  ابن قتيبة  ، وقد شرحنا هذا عند قوله : والكاظمين الغيظ   [آل عمران :134] . 
				
						
						
