القواعد: أساس البيت ، واحدها: قاعدة . فأما قواعد النساء; فواحدتها: قاعد ، وهي العجوز . (ربنا تقبل منا) أي: يقولان: ربنا ، فحذف ذلك ، كقوله: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [ الرعد: 25 ] . أراد: يقولون . و(السميع) بمعنى: السامع ، لكنه أبلغ ، لأن بناء فعيل للمبالغة . قال الخطابي: ويكون السماع بمعنى القبول والإجابة ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: :"أعوذ بك من دعاء لا يسمع" أي: لا يستجاب . وقول المصلي: سمع الله لمن حمده ، أي: قبل الله حمد من حمده . وأنشدوا:
دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول
الإشارة إلى بناء البيت .
روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: كانت الملائكة تحج إلى البيت قبل آدم . وقال ابن عباس: لما أهبط آدم; قال الله تعالى: يا آدم اذهب فابن لي بيتا فطف به ، واذكرني حوله كما رأيت ملائكتي تصنع حول عرشي . فأقبل يسعى حتى انتهى إلى البيت الحرام ، وبناه من خمسة أجبل: من لبنان ، وطور سيناء ، وطور زيتا ، والجودي ، وحراء ، فكان آدم أول من أسس البيت ، وطاف به ، ولم يزل كذلك حتى بعث الله الطوفان ، فدرس موضع البيت ، فبعث الله إبراهيم وإسماعيل . وقال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه: لما أمر الله تعالى إبراهيم ببناء البيت; ضاق به ذرعا ، ولم يدر كيف يصنع ، فأنزل الله عليه كهيئة السحابة ، فيها رأس يتكلم ، فقال: يا إبراهيم علم على ظلي ، فلما علم ارتفعت . وفي رواية أنه كان يبني عليها كل يوم ، قال: وحفر إبراهيم من تحت السكينة ، فأبدى عن قواعد ، ما تحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلا . فلما بلغ موضع الحجر ، قال لإسماعيل: [ ص: 145 ] التمس لي حجرا ، فذهب يطلب حجرا ، فجاء جبريل بالحجر الأسود ، فوضعه ، فلما جاء إسماعيل ، قال: من جاءك بهذا الحجر؟ قال: جاء به من لم يتكل على بنائي وبنائك . وقال ابن عباس ، وابن المسيب ، وأبو العالية: رفعا القواعد التي كانت قواعد قبل ذلك . وقال السدي: لما أمره الله ببناء البيت; لم يدر أين يبني ، فبعث الله له ريحا ، فكنست حول الكعبة عن الأساس الأول الذي كان البيت عليه قبل الطوفان .
قوله تعالى: ربنا واجعلنا مسلمين لك قال الزجاج: المسلم في اللغة: الذي قد استسلم لأمر الله ، وخضع . والمناسك: المتعبدات . فكل متعبد منسك ومنسك ، ومنه قيل للعابد: ناسك . وتسمى الذبيحة المتقرب بها إلى الله ، عز وجل: النسيكة . وكأن الأصل في النسك إنما هو من الذبيحة لله تعالى .
قوله تعالى: وأرنا مناسكنا أي: مذابحنا . قاله مجاهد . وقال غيره: هي جميع أفعال الحج . وقرأ ابن كثير: (وأرنا) بجزم الراء . و رب أرني [ الأعراف: 143 ] . و أرنا اللذين أضلانا [ فصلت: 29 ] . وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي (أرنا) بكسر الراء في جميع ذلك . وقرأ أبو بكر عن عاصم وابن عامر كذلك ، إلا أنهما أسكنا الراء من (أرنا اللذين) وحدها . قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: (أرنا) وكثير من العرب يجزم الراء ، فيقول: (أرنا مناسكنا) وقرأ بها بعض الثقات . وأنشد بعضهم:
قالت سليمى اشتر لنا دقيقا     واشتر فعجل خادما لبيقا 
وأنشدني الكسائي:
ومن يتق فإن الله معه     ورزق الله مؤتاب وغادي 
قال قتادة: أراهما الله مناسكهما: الموقف بعرفات ، والإفاضة من جمع ، ورمي الجمار ، والطواف ، والسعي . وقال أبو مجلز لما فرغ إبراهيم من البيت أتاه جبريل ، فأراه الطواف ، [ ص: 146 ] ثم أتى به جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات ، وأعطى إبراهيم سبعا ، وقال له: ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى غاب الشيطان . ثم أتى به جمرة الوسطى ، فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات ، وأعطى إبراهيم سبع حصيات ، فقال: ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى غاب الشيطان . ثم أتى به الجمرة القصوى ، فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات ، وأعطى إبراهيم سبع حصيات . فقال له: ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى غاب الشيطان ، ثم أتى به منى ، فقال: هاهنا يحلق الناس رؤوسهم ، ثم أتى به جمعا ، فقال: هاهنا يجمع الناس ، ثم أتى به عرفة ، فقال: أعرفت؟ قال: نعم . قال: فمن ثم سميت عرفات .
قوله تعالى: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم في الهاء والميم من (فيهم) قولان . أحدهما: أنها تعود على الذرية ، قاله مقاتل والفراء . والثاني: على أهل مكة في قوله: (وارزق أهله) والمراد بالرسول: محمد صلى الله عليه وسلم . وقد روى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قيل: يا رسول الله! ما كان بدء أمرك؟ قال: "دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام" والكتاب: القرآن . والحكمة: السنة ، قاله ابن عباس . وروي عنه: الحكمة: الفقه والحلال والحرام ، ومواعظ القرآن . وسميت الحكمة حكمة ، لأنها تمنع من الجهل .
وفي قوله تعالى: (ويزكيهم) ثلاثة أقوال . أحدها: أن معناه: يأخذ الزكاة منهم فيطهرهم بها ، قاله ابن عباس والفراء . والثاني: يطهرهم من الشرك والكفر ، قاله مقاتل . والثالث: يدعوهم إلى ما يصيرون به أزكياء .
[ ص: 147 ] قوله تعالى: إنك أنت العزيز قال الخطابي: العز في كلام العرب على ثلاثة أوجه . أحدها: بمعنى الغلبة ، يقولون: من عز بز . أي: من غلب سلب . يقال منه: عز يعز ، بضم العين من يعز ، ومنه قوله تعالى: وعزني في الخطاب [ ص: 28 ] . والثاني: بمعنى الشدة والقوة ، يقال منه: عز يعز ، بفتح العين من يعز . والثالث: أن يكون بمعنى نفاسة القدر ، يقال منه: عز يعز بكسر العين ، من يعز . ويتناول معنى العزيز على أنه الذي لا يعادله شيء ، ولا مثل له .
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					