والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب . أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
ثم ضرب الله مثلا للكفار فقال : والذين كفروا أعمالهم كسراب قال : السراب : ما رأيته من الشمس كالماء نصف النهار ، والآل : ما رأيته في أول النهار وآخره ، وهو يرفع كل شيء ، والقيعة والقاع واحد . وقرأ ابن قتيبة ، أبي بن كعب وعاصم الجحدري ، وابن السميفع : " بقيعات " . وقال : القيعة جمع قاع ، مثل جار وجيرة ، والقيعة والقاع : ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات ، فالذي يسير فيه يرى كأن فيه ماء يجري ، وذلك هو السراب ، والآل مثل السراب ، إلا أنه يرتفع وقت الضحى- كالماء- بين السماء والأرض يحسبه الظمآن- وهو الشديد العطش- ماء ، حتى إذا جاء إلى موضع السراب رأى أرضا لا ماء فيها ، فأعلم الله أن الكافر الذي يظن أن عمله قد نفعه عند الله- كظن الذي يظن السراب ماء- وعمله قد حبط . الزجاج
قوله تعالى: ووجد الله عنده أي : قدم على الله فوفاه حسابه أي : جازاه بعمله ; وهذا في الظاهر خبر عن الظمآن ، والمراد به الخبر عن الكافر .
[ ص: 50 ] قوله تعالى: والله سريع الحساب مفسر في (البقرة : 202) .
قوله تعالى: أو كظلمات في هذا المثل قولان .
أحدهما : أنه لعمل الكافر ، قاله الجمهور ، واختاره . الزجاج
والثاني : أنه مثل لقلب الكافر في أنه لا يعقل ولا يبصر ، قاله . فأما اللجي ، فهو العظيم اللجة ، وهو العميق (يغشاه) أي : يعلو ذلك البحر الفراء موج من فوقه أي : من فوق الموج موج ، والمعنى : يتبع الموج موج ، حتى كان بعضه فوق بعض ، من فوقه أي : من فوق ذلك الموج سحاب .
ثم ابتدأ فقال : ظلمات يعني : ظلمة البحر ، وظلمة الموج [الأول ، وظلمة الموج] الذي فوق الموج ، وظلمة السحاب . وقرأ ، ابن كثير وابن محيصن : " سحاب ظلمات " مضافا إذا أخرج يده يعني : إذا أخرجها مخرج ، لم يكد يراها فيه قولان .
أحدهما : أنه لم يرها ، قاله ، واختاره الحسن . قال : لأن في دون هذه الظلمات لا يرى الكف ; وكذلك قال الزجاج : معناه : لم يرها البتة ، لأنه قد قام الدليل عند وصف تكاثف الظلمات على أن الرؤية معدومة ، فبان بهذا الكلام أن ابن الأنباري يكد زائدة للتوكيد ، بمنزلة ما في قوله : عما قليل ليصبحن نادمين [المؤمنون : 40] .
والثاني : أنه لم يرها إلا بعد الجهد ، قاله . قال المبرد : وهذا كما تقول : ما كدت أبلغ إليك ، وقد بلغت ، قال الفراء : وهذا وجه العربية . الفراء
فصل
فأما وجه المثل ، فقال المفسرون : لما ضرب الله للمؤمن مثلا بالنور، [ ص: 51 ] ضرب للكافر هذا المثل بالظلمات ; والمعنى : أن الكافر في حيرة لا يهتدي لرشد . وقيل : الظلمات : ظلمة الشرك وظلمة المعاصي . وقال بعضهم : ضرب الظلمات مثلا لعمله ، والبحر اللجي لقلبه ، والموج لما يغشى قلبه من الشرك والجهل والحيرة ، والسحاب للرين والختم على قلبه ، فكلامه ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة .
قوله تعالى: ومن لم يجعل الله له نورا فيه قولان .
أحدهما : دينا وإيمانا ، قاله ، ابن عباس . والثاني : هداية ، قاله والسدي . الزجاج