ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا   الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا    . ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا   يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا    . لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا   
قوله تعالى: ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا  هذا معطوف على قوله : يوم يرون الملائكة  ، وقرأ  ابن كثير  ،  ونافع  ،  وابن عامر   : " تشقق " بالتشديد ، فأدغموا التاء في الشين ، لأن الأصل : تتشقق . قال  الفراء   : المعنى : تتشقق السماء عن الغمام ، وتنزل فيه الملائكة ، و " على " و " عن " و " الباء " في هذا الموضع بمعنى واحد ، لأن العرب  تقول : رميت عن القوس ، وبالقوس ، وعلى القوس ; والمعنى واحد . وقال  أبو علي الفارسي   : المعنى : تتشقق السماء وعليها غمام ، كما تقول : ركب الأمير بسلاحه ، وخرج بثيابه ، وإنما تتشقق السماء لنزول الملائكة . قال  ابن عباس   : تتشقق السماء عن الغمام ، وهو الغيم الأبيض ، وتنزل الملائكة في الغمام . وقال  مقاتل   : المراد بالسماء : السماوات ، تتشقق عن الغمام ، وهو غمام أبيض كهيئة الضباب ، فتنزل الملائكة عند انشقاقها . 
وقرأ  ابن كثير   : " وننزل " بنونين : الأولى مضمومة ، والثانية ساكنة،  [ ص: 85 ] واللام مضمومة ، و " الملائكة " نصبا . وقرأ عاصم الجحدري  ،  وأبو عمران الجوني   : " ونزل " بنون واحدة مفتوحة ونصب الزاي وتشديدها وفتح اللام ونصب " الملائكة " . وقرأ  ابن يعمر   : " ونزل " بفتح النون واللام والزاي والتخفيف " الملائكة " بالرفع . 
قوله تعالى: الملك يومئذ الحق للرحمن  قال  الزجاج   : المعنى : الملك الذي هو الملك حقا للرحمن . فأما العسير ، فهو العصب الشديد يشتد على الكفار ، ويهون على المؤمنين فيكون كمقدار صلاة مكتوبة . 
قوله تعالى: ويوم يعض الظالم على يديه  في سبب نزولها ثلاثة أقوال . 
أحدها : أن أبي بن خلف  كان يحضر [عند] رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجالسه من غير أن يؤمن به ، فزجره عقبة بن أبي معيط  عن ذلك ، فنزلت هذه الآية ، رواه عطاء الخراساني عن  ابن عباس   . 
والثاني : أن عقبة  دعا قوما فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام فأكلوا ، وأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل ، وقال : " لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " ، فشهد بذلك عقبة  ، فبلغ ذلك أبي بن خلف  ، وكان خليلا له ، فقال : صبوت يا عقبة؟!  فقال : لا والله ، ولكنه أبى أن يأكل حتى قلت ذلك ، وليس من نفسي ، فنزلت هذه الآية ، قاله  مجاهد   . 
 [ ص: 86 ] والثالث : أن عقبة  كان خليلا لأمية بن خلف  ، فأسلم عقبة  ، فقال أمية   : وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا  ، فكفر وارتد لرضا أمية ، فنزلت هذه الآية ، قاله  الشعبي   . 
فأما الظالم [المذكور] هاهنا ، فهو الكافر ، وفيه قولان . 
أحدهما : أنه أبي بن خلف  ، رواه  العوفي  عن  ابن عباس   . 
والثاني : عقبة بن أبي معيط  ، قاله  مجاهد  ،  وسعيد بن جبير  ،  وقتادة   . 
قال  عطاء   : يأكل يديه حتى تذهبا إلى المرفقين ، ثم تنبتان ، فلا يزال هكذا كلما نبتت يده أكلها ندامة على ما فعل . 
قوله تعالى: يا ليتني اتخذت  الأكثرون يسكنون " يا ليتني "  وأبو عمرو  يحركها ; قال أبو علي   : والأصل التحريك ، لأنها بإزاء الكاف التي للخطاب ، إلا أن حرف اللين تكره فيه الحركة ، ولذلك أسكن من أسكن ; والمعنى : ليتني اتبعته فاتخذت معه طريقا إلى الهدى . 
قوله تعالى: ليتني لم أتخذ فلانا  في المشار إليه أربعة أقوال . 
أحدها : أنه عنى أبي بن خلف  ، قاله  ابن عباس   . والثاني : عقبة بن أبي معيط  ، قاله  أبو مالك   . والثالث : الشيطان ، قاله  مجاهد   . والرابع : أمية بن خلف  ، قاله  السدي   . 
فإن قيل : إنما يكنى من يخاف المبادأة أو يحتاج إلى المداجاة ، فما وجه الكناية؟ 
فالجواب : أنه أراد بالظالم : كل ظالم ، وأراد بفلان : كل من أطيع في معصية وأرضي بسخط الله ، وإن كانت الآية نزلت في شخص ، قاله  ابن قتيبة   . 
 [ ص: 87 ] قوله تعالى: لقد أضلني عن الذكر  أي : صرفني عن القرآن والإيمان به بعد إذ جاءني  مع الرسول ، وهاهنا تم الكلام . ثم قال الله تعالى : وكان الشيطان للإنسان  يعني : الكافر خذولا  يتبرأ [منه] في الآخرة . 
				
						
						
